2011/09/16

صحبة العشاق



فى هذا الكتاب الشيق يقدم لنا الأديب المصرى خيرى شلبى دراسات بديعة لشخصيات أثرت حياتنا بعملها المتميز فهو يمر بقلمه على رواد فى مجالات عدة منهم سيد درويش الذى يراه بطلا يقدم الزاد الغنائى "الذى سيقود المواطن إلى حمل السلاح المباشر دفاعا عن أرضه و حماية لعرضه".


ثم يستعرض أديبنا الراحل شخصية أطلق عليها "حكواتى من علية القوم" و هو كاتبنا فكرى أباظة الذى يقول عنه: "فى الراديو كان أكبر حكاء تعلقت به فى حياتى و لازلت حتى الآن" و "هو يحكى بطريقة متفردة خاصة، كأنما كان ذلك من تدبير قدر حضارى النزعة محكم الرؤية الفنية".

ينتقل بنا خيرى شلبى إلى شخصية يصفها بـ"النرجسية الجميلة" المحظوظة بتعرفها على "الشاعر أحمد شوقى فى مرحلة الصبا".

إنه يقصد موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذى كتب عنه "الحظ قد حالفه طوال حياته و لعب دورا كبيرا فى تكبير حجمه فى زمن قياسى".

و يضيف أديبنا أيضا أن ذكاء عبد الوهاب "كان يخدمه فى كل الأحوال، فما أن يتعرف على شخصية لامعة و يدرك مدى أهميتها حتى يلتصق بها و يلازمها فى سبيل أن يأخذ عنها كل ما يستطيع الحصول عليه من علمها أو فنها أو نفوذها الطبقى و السياسى".

يترك خيرى شلبى طريق الفن و يذهب بقلمه إلى ساحة الدين متحدثا عن الشيخ أمين الخولى الذى حمل لواء "النهوض بالثقافة القومية فى مواجهة الثقافات الأجنبية الغازية" و العمل على إثبات أن "تخلف المسلمين ليس سببه الإسلام كما يرجف المرجفون من المستشرقين المغرضين بل سببه الأول عدوان الغرب الاستعمارى على المسلمين".

و لا يحرمنا كاتبنا من الحديث عن "مهرجان الظرف" للمعلق الشهير البارع فى نقل "المباراة بحيوية دافقة، فيغلى الحماس الحماس الساخن فى أعصاب المشاهدين و تتحول المباراة فى وجدانهم إلى شىء شديد المهابة" و يشهد خيرى شلبى بأن "نشر الوعى الكروى فى بلادنا من أقصاها إلى أقصاها" يعود إلى "أظرف ظرفاء عصرنا بلا منازع" .. الكابتن لطيف.

و بأسلوب رشيق ينقلنا خيرى شلبى من الفكاهة المولودة على لسان كابتن لطيف إلى رهبة المسرح المصرى التى نشأت على يد العبقرى يوسف وهبى الذى كتب عنه: "ظل فى نظرى صرحا كبيرا هائلا لعل التمثيل أحد أبنياته".

لا يحرم خيرى شلبى قارئه من الحديث عن كوكب الشرق مستشهدا بكلمات لعبد الوهاب تقول:"إن صوت أم كلثوم كان صوتا زعيما، بمعنى أنه حين يتكلم أمامك فلابد أن تنصت و بدقة خوفا من أن يفوتك شىء هام مما ينطق به هذا الصوت فما بالك حين يغنى!".

و بعنوان "توفيق الحكيم: الفيلسوف و الحمار"، يسرد لنا الراحل صاحب وكالة عطية صفحات عن حمار قدمه توفيق الحكيم "فيلسوفا عميق الرأى نافذ البصيرة، جعله يقول الحكم و الأمثال و المواعظ التى يرتدع من سلامة معانيها البشر و يدلى برأيه فى القضايا السياسية و البرلمانية".

و عن شاعر النهر الخالد يسقينا أدبينا الراحل سطورا من رحيق صاحبه محمود حسن اسماعيل الذى وصفه بأنه "أب الشعر الحديث بلا جدال" و قد كتب دواوين عدة منها :"أغانى الكوخ" و "السلام الذى أعرف" و "نهر الحقيقة" و "موسيقى السر".

وفى رحلة داخل بحر النغم يشير خيرى شلبى إلى الموسيقار رياض السنباطى الذى قابله بشكل خاطف و سريع و قد خرج من لقاءه و هو يرى الموسيقار الراحل شخصا عظيما و مقومات العظمة فى شخصه "تبدأ باحترامه لنفسه و سلوكه و تقدير الكلمة التى تخرج من لسانه".
و عن عمل السنباطى مع أم كلثوم يرى كاتبنا أن:"كل تلحين جميل ينسب إلى رياض السنباطى تلقائيا، و السبب فى ذلك ليس هو صوت ام كلثوم و ما أعظمه، بل الألحان التى كانت تغنيها و ما أعظمها".

تأخذنا سطور أديبنا إلى مثقف ينشر أعماله للنهوض بمستوى من يقرأ له عن طريق "تعليم الشعب العربى كله" .. "ليس القراءة و الكتابة على الورق بل قراءة الحياة لاستيعاب دروسها و اكتشاف جماليتها" و "تبصير المواطن بجوهر الشخصية القومية حتى يتملكها عن صدق و وعى" .. إنه يحدثنا عن زكريا الحجاوى.


ثم ينقلنا بأسلوب راق للحديث عن "موهوب حتى النخاع" و يملك القدرة على التأثير بموسيقاه فى "كافة الوجدانات الإنسانية مع أنه فى الأصل شيخ و اسمه سيد مكاوى".

و يقدم لنا فى دراسة بديعة شخصية سيد مكاوى صاحب المقطوعة المتميزة "الأرض بتتكلم عربى؟" للشاعر الراحل فؤاد حداد الذى يختتم به خيرى شلبى صفحاته من كتاب "صحبة العشاق .. رواد الكلمة و النغم" كاتبا عنه :"استطاع بكفاءة منعدمة النظير أن يجعل المفردات العامية الشعبية ضفافا للشعر فى أعالى بحاره".

رحم الله أديبنا و أستاذنا خيرى شلبى.


المقال منشور على الموقع الالكترونى لصحيفة المصرى اليوم ضمن ملف تم إعداده من أجل تكريم الراحل الكبير خيرى شلبى و شارك معى الأستاذ مهاب نادى فى رسم بورتريه لشخصية كاتبنا على الرابط التالى :


http://www.almasryalyoum.com/node/496014

ليست هناك تعليقات: