2012/09/03

مبروك علينا «التأسيسية» *




عندما تدخل إلى قهوة بلدي، معروفة بتشغيلها الدائم لأغاني الزمن الجميل للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، والست كوكب الشرق أم كلثوم، ثم يأتي لك صبي القهوة، فيسألك: تشرب إيه يا حضرة؟.. فترد عليه: واحد شاي سكر زيادة.

وعندما يأتي غيرك لنفس القهوة فيطلب الينسون، وثالث يطلب الشيشة، وآخر مزاجه في شاي بحليب، ستجد وقتها أن القهوة التي تذهب إليها راضيا مرضيا، هي نفسها التي يذهب إليها غيرك من البشر، ويطلبون ما يريدون، وما يرضي مزاجهم، وهي مكان واحد لكنها تجمع مختلف الأذواق.

نفس الشيء تستطيع أن تراه في تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، فهي بأعضائها المنتخبين أو المشاركين فيها أو أيا كانت طريقة وجودهم فيها، ينبغي أن تلبي احتياجات الجميع دون أكثرية أو أقلية، ولكن عليها أن ترضي الجميع وتمثل كل المصريين من الشمال للجنوب، ومن الشرق للغرب، لا أن تمثل عليهم، بمؤتمرات وأحاديث من كلام الإنشاء الذي يدور في فلك سنمثل كل التيارات، وكل الأطياف، وكل الناس الحلوة، بينما تكون الحقيقة عند الإفاقة من الكلام المعسول تكون عكس ذلك.

الدستور هو كتاب الوطن الذي يجب أن يقرأه الجميع، ويبصمون عليه بكامل الرضا وبصوابعهم العشرة، دون أن يحقق مصلحة لطرف أو مكسب لفصيل معين، وعلى البقية الباقية أن تخبط رأسها في أقرب حيطة إذا لم يعجبها الأمر.

الدستور هو البيت الذي سنعيش فيه معا، سواء كان من يتعايش معنا له فكر متحرر الهوى أو ديني النزعة أو وسطي المزاج، بغض النظر عن رأي كل شخص فيما يعتنقه الآخر، لكن علينا أن نتفق على مواد لدستور يبرز هوية مصر، لا هوية تقول مدنية، ولا هوية تقول دينية، ولا هوية تقول عسكرية.

هوية مصر معروفة في شخصيتها، معروفة في قضاء الله وقدره، عندما يعم الخير على البلد، فلا يستهدف مسلم بعينه أو مسيحي بشخصه، وإنما يستهدف الجميع في السراء والضراء.

مصر هي الكلمة الأولى في دستورنا، وعلى المشاركين في كتابة الدستور ألا يكتبوا موادا تقسمنا إلى مدنيين وإسلاميين ومسيحيين، وآخرته كله يغني ظلموه بسبب تلك التقسيمات، ومع إنك أنت لو إسلامي أو حتى مسيحي، أو حتى تعبد ما لذ وطاب لك، ففي النهاية أنت مصري لك حقوق وعليك واجبات، وعلى الماسكين بزمام الجمعية التأسيسية للدستور يتذكروا أن القهوة مكان واحد نجلس فيه، لكن المزاج يختلف من فرد لآخر فيما يطلبه من مشاريب، وكذلك الدستور يجب أن يرضي الجميع، وعليه أن يرضي مصر، دون أغلبية متسلطة أو أقلية متشددة، وساعتها لو راعينا الكل في كتابتنا لدستور هويته مصرية، يبقى مبروك علينا التأسيسية.

*منشورة في 12 يونيو 2012