2012/08/28

«الولد الشقي» وحرية القلم



«تصوروا منذ نحو 60 عامًا، كتب الكاتب الساخر عمنا الكبير الشيخ عبد العزيز البشري مقالًا، اتهم فيه رئيس الوزراء وقتئذ، حضرة صاحب الدولة أحمد زيور باشا، اتهمه بالخيانة، وبأنه باع مصر للأعداء.

وسخر الشيخ عبد العزيز البشري من رئيس الوزراء قائلا: «وبالرغم من خيانة رئيس الوزراء، فإنني اعترض على محاكمته، لأن في هذا ظلم لرئيس الوزراء، لأنه ليس شخصًا واحدًا ولكنه عدة أشخاص، ولا يجوز محاسبة كتفه بما جناه رأسه، ولا يمكن محاكمة بطنه على جرم ارتكبه فخذه.. إلى آخر ما جاء في المقال.

وبالرغم من ذلك حكمت محكمة جنايات مصر برئاسة عبد العزيز باشا فهمي، ببراءة الشيخ عبد العزيز البشري، وجاء في حيثيات الحكم: أن الرجل العام، وعلى الأخص الذي يتولى مسؤولية عامة يكون عرضة للنقد، وبالأسلوب الذي يراه الكاتب مناسبًا كذلك.

ومنذ نحو 60 عامًا أيضًا كتب المرحوم الفنان بيرم التونسي، وبالخط العريض على صدور صحيفة المسلة، التي هي لا جريدة ولا مجلة، ملعون أبو المحافظ!

وتحت العنوان كتب يقول: بينما كنت أمشي في شارع الأزهر، إذ احتك بي نشال ولهف المحفظة من جيبي، فلما اكتشفت السرقة هتفت من أعماقي ملعون أبو المحافظ، والسبب أنني كنت قبل ذلك أضع نقودي في جيبي، ولكن أحد أصدقائي نصحني باقتناء محفظة لحفظ النقود، فإذا بالنشال اللعين ينشل النقود والمحفظة، وهذا هو السبب الذي جعلني أصرخ ملعون أبو المحافظ!

وقضت محكمة جنايات مصر ببراءة بيرم التونسي من تهمة سب المحافظ، لأنه لم يقصد سب محافظ القاهرة، ولكنه كان يسب المحافظ جمع محفظة، التي سرقها النشال ومعها نقوده!

ومنذ 40 عامًا على وجه التحديد كتب العبد لله مقالًا عن الفريق محمد حيدر باشا في مجلة (كلمة ونص)، والتي كان يرأس تحريرها الأستاذ مأمون الشناوي.

وبعد أن هاجمت حيدر باشا هجومًا شديدًا، ختمت المقال قائلا: ويعتبره الخبراء العسكريون واحدًا من ألمع جنرالات الحرب في العالم، وعلى رأسهم جنرال إليكتريك وجنرال موتورز، ومع ذلك حكمت المحكمة ببراءة العبد لله من تهمة القذف في حق القائد العام محمد حيدر باشا.

حدث هذا منذ 60 عامًا وحدث مثله منذ 40 عامًا، فما الذي يجري في مصر هذه الأيام؟».

كانت هذه كلمات الولد الشقي أستاذي محمود السعدني، رحمه الله، خلال مقالات نشرها في كتابه «أحلام العبد لله»، الصادر عن دار الهلال، ونظرًا لأن النسخة التي بحوزتي قديمة بعض الشيء لأن العبد لله من هواة شراء الكتب القديمة، وبالتحديد من سور الأزبكية، أو من عند أي بائع يفترش الأرض وعليها كتبه، فسعرها بالبلدي «حنين»، بعكس أسعار الكتب المرصوصة على أرفف المكتبات فهي تحرق جيبك بسعرها، لكن القراءة «ثمنها فيها»، ويمكن تحديد موعد صدور الكتاب في ثمانينات القرن الماضي، نظرًا لتساؤل «السعدني» عن حال الصحافة في الثمانينات بعد عرضه السابق.

ولو كان السعدني يعيش بيننا الآن ويرى أن مصر الثورة، يعيش فيها الصحفي وهو يتحسس رأسه، خوفًا من الإطاحة بسبب ما يكتبه قلمه، لكان شعر بالحسرة والندم.

بالطبع لا يقبل العبد لله حماقات من يدعي حرية التعبير والرأي بإثارة البلبة، فيما يكتبه أو يعرضه أو ينشره، لكنه يقبل أن يواجه ما يتم عرضه بالحجة والمنطق، لا بالمنع وخلق صورة لأبطال زائفين، يدعون احترام الكلمة وهم لا يحترمون قلمهم.


إذا نظرنا في حيثيات حكم «الجنايات» على رأي عمنا «البشري» في تخوينه لرئيس الوزراء، سنجد أنها تضع «الرجل العام» في مرمى النقد وبالأسلوب الذي يراه الكتاب من نقد بناء قد يلتزم به البعض، أو «بهدلة وتقطيع» ممن يعبرون عن رأيهم بالـ«خزعبلات»!!

حبس صاحب أي رأي على رأيه، هو هجوم على الحق في التعبير، ومن يحترم حرية التعبير عليه أن يحترم قلمه ولسانه ويتمتع بالمسؤولية المدققة لما ينشره.

والتهليل بإلغاء عقوبة الحبس الاحتياطي الصادرة من الرئيس مرسي في حق من يتصدى للعمل في النشر والصحافة مجرد «بالونة» يلعب بها من يقتنع بالـ«مبررات» دائمًا للموقف ونقيضه، ولكن التهليل هو عندما يكون الرئيس خادمًا للشعب، ومواطنًا مثل أي مواطن عادي في الشارع، لا يكمم الأفواه.