2011/01/20

حريقة .. حريقة

يا سيدى قال لك واحد حرق نفسه فى تونس بسبب قلم نزل على خده من واحدة تشتغل فى الشرطة و بالتحديد كانت الهانم من البلدية و منعت المحروق إنه يشوف لقمة عيشه وصادرت عربية الخضار التى كان يسرح بها.

عنها و حصلت ثورة من الشعب سموها "ثورة الياسمين" و هرب الرئيس التونسى و فضل طاير حيران مش عارف ينزل فين إلى أن كرمه المولى بضيافة دولة خليجية يتجمع فيها الحجيج على عرفات كل عام.

و كل الصحف و القنوات اشتغلت على الحدث المهم و بقت تونس الخضراء على سطح الأحداث و أبيات عمنا أبى القاسم الشابى فى بؤرة المقولات و المقالات و انتشرت كلماته و هى : إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر .. و لابد لليل أن ينجلى و لابد للقيد أن ينكسر إلى أخر هذه الأبيات.

و خرجت التهانى للشعب التونسى لثورته على الطغيان و الاستبداد و قيامه بإحياء العروبة و التأكيد على أنه مهما طال الحكام فى الكبس على أنفاس شعوبهم لمدد لا يعلم الله متى تنتهى فإن الشعوب لا تموت.

و انطلقت دعوات الملايين تخاطب السماء .. الكل فى أوطانه يتمنى زوال المستبد و القضاء على عصابات الفساد التى نهبت و سلبت و جعلت الفقير يزداد فقرا بينما ينعم الطغاة و يكتوى بنارهم من يستظل بحكمهم.

و المهم بقى انتشرت حكاية الحرق الانتحارى فى البلاد و كأن الناس كانت فى انتظار حرق الشاب التونسى لنفسه لتخرج مقلدة إياه و خرجت نفس الوجوه التى لا تتغير سواء فى وجودها أو فى كذبها و اعتقادها أن المستمع ساذج و طمأنتهم أن البلاد محصنة و أى كلام عن عدوى قيام ثورة أو الذى منه هو كلام فارغ و نحن لا نشبه ما حدث فى بلاد الرئيس المخلوع.
و تعالى نستمع لبعض من الحوارات على شاكلة و دينى لو ما اتجوزتوا لأولع فى نفسى .. و رحمة والديك إن كانوا حييين أو ميتييين لأدلق على نفسى بنزين و أولع فى نفسى عشان تستريحوا.

بقراءة بسيطة لهذه العبارات التى تجد ان ناطقها قد ضاق بالحياة لأن مطلبه لم يتحقق فيقرر على الفور أن يحرق نفسه.

مع إن المفروض بكل عقل و بساطة دون فلسفة أن تقوم بإحراق من يضايقك حتى يكتوى باللهيب بينما أنت لو حرقت نفسك فستكتوى بالنار فى الدنيا و ستدخل الآخرة مرميا فى النار لأنك على انتحار و الله أعلم.

فلماذا لا تحرق من يضايقك و تولع فيه بجاز بدلا من حرق قلب أهلك و محبيك؟

ربما ستخبرنى أنك تحرق نفسك و لا تحرق من يجعلوك "تشيط" لأنه يصعب الوصول إليهم .. و سأرد عليك بأنك استسهلت حرق نفسك بسهولة و رفضت أن تدخل فى سين و جيم إذا حرقت الآخرين.

سترد لتسألنى : ما العمل؟

و سأجاوبك بضرورة التخطيط و التنفيذ للوصول لطريقة جهنمية فى حرق من جعلوا الكبريت رفيقك لا لكى تشعل سيجارتك بل لتشعل نفسك.

ستقول الآن إن هذه دعوة منى لحرق و توليع كل من يفقع مرارتك بكلامه و يجعلك تحتاج إلى أدوية ضغط و سكر حتى ترجع لحالتك الطبيعية..هذه ليست دعوتى و لكنها دعوة منى إليك قبل أن تفكر فى حرق نفسك أن تنتبه ربما ترى اشياء كانت غافلة عنك كفكرة حرق من يضايقك أو أن تصبر و تفكر فى طريقة أخرى لا تجعلك ترتمى فى التهلكة.

و سأخبرك وقتها أيضا أنك ستدخل فى سين و جيم و كلبشات فى يديك و محكمة و سجن و احتمال إعدام إذا ثبت قيامك بالفعلة الشنيعة و حرقت من يعكننون عليك مع سبق الإصرار و الترصد.

إذن أين الحل؟
تحرق نفسك أم تحرقهم؟

أقول لك : إذا كان اكتوائهم بنارك سيشفى غليلك فافعلها بدلا من أن تشوى جسدك و تتركهم يمشون على بقاياك من الرماد المتفحم..و لكن كل ما عليك أنت تثبت انك "مختل" قبل أن تنوى التوليع فى الذين جعلوك تفقد وعيك فتقرر حرق نفسك..و  سترحمك تهمة المختل من السين و الجيم و قعدة السجون.

تذكر جيدا هذه ليست دعوة منى بأن تنتحر أو تحرق أحدا لا سمح الله فما عليك إلا أن تصبر و تصابر و تجاهد بأضعف الإيمان و لا تحرق نفسك و تترك لهم الدنيا .. فربما يأتى اليوم المبارك الذى لا تنتحر فيه و لا تحرق فيه أحدا بل تجعلهم هم من ينتحرون و يتركون الحياة كما فعل نيرون الذى جلس يغنى أثناء حريق روما الشهير كما تقول بعض الروايات و لكن الشعب ثار عليه و حاصروه إلى أن قرر الانتحار مخلصا نفسه من عدالة شعبه.

و لا أجد خاتمة أفضل من كلمات عمنا أحمد فؤاد نجم عندما قال : اللى سرقها و اللى حرقها .. بكره العشب هيخرب بيته.

ليست هناك تعليقات: