2013/06/01

الفرعون وعمر بن الخطاب

هل السلطة مسؤولة عن مساوئ الشعب أم الشعب مسؤول عن مساوئ السلطة؟

وقفت في حيرة من أمري ولا أعرف كيف أبدأ بالإجابة على السؤال، فأتذكر قول النبي الكريم سيدنا محمد بأنه «كما تكونون يولى عليكم»، ووقتها يأتي في بالي أن الناس إذا كانت تتصف بالورع والتقوى في معاملاتها، فمن المؤكد أن حكامها سيكونون على شاكلتهم، يعرفون الحق ويتبعوه ويعاملون الشعب بما يرضي الله، أما إذا كان الشعب منافقًا يعشق الخداع و«التطبيل» للحاكم فمن باب أولى سيكون رأس الحكم على شاكلة شعبه ويعمل لهم من البحر «طحينة» ويغرقون فيه جميعًا ولو بعد حين.

لكنني مع كثرة البحث في الإجابة عن هذا السؤال وجدت نظري يقع على سطور نشرها كاتبنا فهمي هويدي في كتابه «المقالات المحظورة» الصادر عن «دار الشروق»، فيقول: «تمثل فكرة القدوة أحد المخارج المهمة من الأزمة، حيث يظل سلوك النخبة المسؤولة عن إدارة المجتمع هو النموذج الذي عادة ما يحتذى سلبًا كان أو إيجابًا».

ويضيف «هويدي» أن الفيلسوف الفرنسي «هلفيتيوس» عبر عن هذه الفكرة في القرن الثامن عشر، حين قال: «إن التفاعل بين المجتمع والسلطة ذو اتجاه واحد، فالشعب لا يؤثر في طبيعة السلطة، وإنما تؤثر السلطة في خصائص الشعب وأخلاقه».

ويوضح «هويدي» أن «هلفيتيوس» استنتج من ذلك أن «السلطة مسؤولة عن مساوئ الشعب كما أنها مسؤولة عن محاسنه، فالسلطة التي تقوم على الابتزاز ويتمتع أقطابها بامتيازات استثنائية، لابد أن تخلف جهازًا جشعًا ومرتشيًا، والسلطة التي تتعامل مع الشعب بطريقة فاشية، لابد أن يصبح جهازها فاشيًا، سواء بتشكيلاته أو بالنزعة التي تسيطر على أفراده.. والسلطة الفاسدة أو التي تخدع الناس وتكذب عليهم، تعطي الناس دروسًا يومية في الفساد».

ويكمل «هويدي» فيستشهد بما ذكره «ابن الأثير» في مؤلفه الكامل عن التاريخ، حيث يذكر ذلك المعنى بصورة أخرى، فيروي أن الخليفة الأموي، الوليد بن عبد الملك، كان صاحب بناء ويتشهر بما لديه من قصور وضياع، فكان الناس في عهده يلتقون بعضهم البعض للحديث عما لديهم من بناء، وكان سليمان بن عبد الملك من أصحاب الاهتمام بالطعام والنكاح، والناس كانوا آنذاك يسألون بعضهم عما لديهم من طعام ونكاح.

كما تحدث «ابن الأثير» عن خامس الخلفاء الراشدين، عمر بن عبد العزيز، فوصفه بأنه «صاحب عبادة» لما عُرف به من الورع والتقوى، فكان الناس يسألون بعضهم البعض في زمانه عما حفظوه من القرآن وعن عدد الأيام التي صامها كل منهم في الشهر؟

ولا يكتفي «هويدي» بذلك السرد، بل يضيف قول عمر بن الخطاب في وصاياه: «الرعية مؤدية للإمام ما أدى إلى الله، فإن رتع الإمام (أسرف وتنعم) رتعوا!».

ولك أن تعرف قصة أخرى مع سيدنا عمر، وهو الحاكم العادل الذي لو وجد واحد مثله لكان حال الشعب في أحسن حال، فيذكر «الطبري» أنه لما حمل جند المسلمين إلى سيدنا عمر سيف كسرى وجواهره بعد هزيمته أمام جيش المسلمين، قال أمير المؤمنين: «إن قومًا أدوا هذا لذوو أمانة»، فعقب على ذلك علي بن أبي طالب موجهًا كلامه إلى عمر قائلاً: «إنك عففت فعفت الرعية»، وكان علي بن أبي طالب هو القائل: «الناس بأمرائهم أشبه منهم بأبائهم في التمثل والتلقي والتقليد.

ويختتم «هويدي» ما سرده فيقول: «في مصر بالذات يبدو أن السلطة منذ الأزل لها تأثيرها البالغ في المجتمع، ولعل ذلك هو دأب المجتمعات النهرية دائمًا، كما يلاحظ الدكتور جمال حمدان، حتى الأنبياء الذين بعثوا إلى الأقوام عادة كما تشير نصوص القرآن الكريم، اختلف شأنهم في حالة مصر، فقد كان النبي موسى هو الوحيد من بين أنبياء إلى الله، الذي طلب منه أن يخاطب رأس السلطة، وقارئ القرآن لابد أن يلاحظ أن كل الآيات التي تحدثت عن النبي موسى: إما أنها أشارت بتكليفه بالتوجه إلى (فرعون) ومخاطبته مباشرة، وإما أنها تحدثت عن أنه أرسل إلى (فرعون وقومه)، أي أن فرعون ظل دائمًا الباب المرشح لهداية الناس وصلاح أمرهم».


أرجو إن شغلك سؤالي الذي كان في أول سطر أن تكون وجدت له إجابة، ونبدأ في التفكير للإجابة عن سؤال جديد، هل مصر تحتاج إلى عمر بن الخطاب فتنصلح معه أحوال الشعب أم تحتاج إلى النبي موسى كي يصلح اعوجاج الفرعون؟

2013/02/18

«الكوسة» لن تنفعك يا مرسي




(1)
إذا كنت ابنًا لرئيس الجمهورية فيحق لك أن تكون عالمًا ببواطن الأمور، وتعرف ما يدور داخل المؤسسات التابعة للدولة حتى وإن لم يكن لك فيها أي صاحب، فقط وظيفة والدك التي هي من المفترض أن تخدم الشعب ولا تمنحك المحاباة على غيرك تكون بوابة العبور كي تحصل على وظيفة من الدولة بغض النظر عن كفائتك أو الزمن الذي تخرجت فيه من كُليتك.. فقط يكون والدك اسمه محمد مرسي، وستنتقل من شخص يجلس على دكة البطالة إلى شخص ينعم بوظيفة حكومية تضمن لك الاستقرار.

عمر محمد مرسي أنهى دراسته الجامعية في التجارة، عام 2012، بتقدير جيد، ومنحه 13 مليون مصري وظيفة في الدولة، حيث انتخبوا والده وائتمنوه على ثورتهم النقية الشابة التي أطاحت بنظام مبارك «الديكتاتوري»، لكن مرسي رد الجميل لمن وقفوا بجانبه ضد مرشح النظام السابق، المرشح الخاسر الفريق أحمد شفيق، عن طريق منح ابنه وظيفة في الدولة، ولا يهم ما وعد به، الأهم هو تمكين أهله وجماعته وعشيرته في مفاصل الدولة، ولا مانع أيضًا من منح نجله «عمر» وظيفة يقول عنها وزير الطيران المدني، المهندس وائل المعداوي، إنه فاز بها عن طريق تقدمه إلى إعلان داخلي يخص الوظيفة و«فوجئت الشركة القابضة للمطارات بتقدم نجل الرئيس للوظيفة منذ شهرين».

(2)
شهران والبلد تشتعل عقب إعلان دستوري جعل الرئيس مرسي فوق كل السلطات ضاربًا عرض الحائط بالقوانين، التي يدعي احترامها لكنه يدهسها بـ«ترزية» من المستشارين يفصلون له ما يشاء من قرارات يتخذها ويتراجع عنها.. شهران والبلد تبحث عن دستور توافقي يلبي مطالب المصريين الذين استقبلوا بصمود بطش نظام مبارك في ميدان التحرير، فكانت الهدية للمصريين دستورًا لا يعبر عنهم، ويسير بمبدأ المغالبة والتأييد لمصالح جماعة «الإخوان» ومناصريها.. شهران والبلد تفقد شهداء ومصابين والرئيس ينعم بلا مبالاة ولا يهتز له جفن ولا تسيل الدموع على خديه.. فقط يبكي حزنًا على أهله وعشيرته وسائقه الذي تلقى طوبة في جسم سيارته الرئاسية المصفحة، لكن الباقي من شعبه مجرد مصريين لا حول ولهم ولا قوة طالموا لم يرتدوا عباءة الإخوان المسلمين.

شهران.. وعمر ابن الرئيس مرسي ينعم في بيته بكل السرور لضمان وظيفة حكومية علم بها عبر إعلان داخلي يفترض أن يلم به وفقط من يعمل داخل الشركة القابضة للمطارات، بينما هناك أمهات تعيش على حلم رؤية أبنائها المختطفين في المظاهرات الرافضة لـ«أخونة مصر»، أو إذا ساءت أحوالها تجلس كل ليل تترحم على من سقط في عهد رئيس يفترض أنه يناصر الثورة لكن سياساته تجعل البلاد «رايحة في ستين داهية».

(3)
«عمر» يعلم بالوظيفة بينما مرسي لا يعلم عن شعبه سوى الذين يهللون له خارج قصره فيخرج ليخاطبهم ويحدثهم عن «أبلج ولجلج»، ولا يتذكر شهداء أو مصابين أو حملة دكتوراة وماجستير مرت عليهم أعوام من كفاح حتى ينالوا أعلى الدرجات العلمية لكن الدولة لا تجد لهم أي وظيفة.

خلاص أنهت الدولة تعيين كل أبنائها ولم يتبق سوى نجل سعادة الرئيس مرسي، الذي يجب أن يحظى بوظيفة حكومية مثله مثل بقية أبناء الشعب.. لكن إذا ذهبنا لزيارة الواقع سنجد أن الرئيس مرسي لم يكلف خاطره لزيارة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة للإطلاع على كيفية تعيين أوائل الخريجين في وظائف الدولة، سيجد طلابًا تم وضعهم في وظائف بعيدة عن تخصصاتهم العلمية، وسيجد أفرادًا لديهم قرارات تعيين لكنهم لم يتسلموا وظائفهم إلا بطلوع الروح، وسيجد أفرادًا كانت لهم وظائف في وزارات مثل البترول والعدل لكن «الواسطة والمحسوبية» لم تشفع لتعيينهم.. ستجد أفراد تخرجوا ودرسوا في كلية الإعلام، جامعة القاهرة، قسم الإذاعة والتليفزيون، ولديهم أعلى التقديرات العلمية ولم يحالفهم الحظ في التعيين داخل مبنى «ماسبيرو».. اللهم إلا إذا كانوا «إخوان» فربما هنا ستشع الكفاءة من عيونهم وستشفع تبعيتهم للمرشد في حصولهم على الوظيفة دون واسطة.

حدث مثلاً مع العبد لله عقب الثورة وبعد تخرجه في كلية الإعلام بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، في تخصص الإذاعة والتليفزيون أن منحته الدولة وظيفة في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ولم يشفع له تفوقه وزملائه بدفعته في التعيين داخل مبنى «ماسبيرو» لأنهم بلا واسطة، ونفس الحال لدفعات سابقة.. هذا مجرد مثال أخفي الكثير من تفاصيله التي لا أريد التحدث عنها لشخصنة الموضوع لا سمح الله، فهناك الكثير ممن لا يجدون وظيفة بسبب «الكوسة»، وإن وجدوا فيكون ذلك بعيدًا عن مجالهم.

ومثال آخر يتمثل في عمالة مؤقتة تتخطى الآلاف من الإسكندرية إلى أسوان يحلمون بحلم التعيين والتثبيت في وظائف بالدولة، مع حلم يراودهم في التخلص من تقاضي 170 جنيهًا كل شهر حتى يحصلون على مبلغ محترم «يفتح بيت»، بينما «عمر» نجل الرئيس مرسي يضمن وظيفة فور تخرجه، وغيره لم ينعم بالتعيين منذ سنوات تعود إلى أيام غزو الكويت في بداية التسعينيات بالإضافة إلى لآلاف من حملة الماجستير والدكتوراة ينتظرون أن تكرمهم الدولة بوظيفة فتتم مطاردتهم عند بيت رئيس الوزراء، هشام قنديل.

(4)
آلاف يحملون شهادات علمية من ماجستير ودكتوراة وتقديرات تفوق كفاءة نجل مرسي لكنه استطاع أن يحصل على وظيفة، ولا عزاء لعلمهم وخبرتهم، فقط وبتقدير جيد وبكفاءة في الكمبيوتر واللغة الإنجليزية يصبح قاب قوسين أو أدنى ضمن المعينين داخل الشركة القابضة للمطارات.

أصبحت الدولة تعين من كان والده رئيسًا للجمهورية بينما ولاد الناس «الغلابة» الذين لا يحملون كارنيه الأهل والعشيرة، التي يعشقها مرسي لا وجود لهم.. فقط هم في ذمة الله وذاك أفضل من رئيس لا يطبق العدل ولا يبتعد عن الشبهات، ويتقن فن المراوغة ولا يطبق وعوده.. فقط يخدم أهله وعشيرته ويصحبهم بالسلامة إلى طريق دولة «الكوسة»، ويجعل حالك ينطق: «مرسي هو حسني»، و«جمال هو عمر».

وسواء استلم «عمر» الوظيفة أو أوقف أوراق تعيينه أو ربنا كرمه بوظيفة عند أونكل خيرت الشاطر أو عمو حسن مالك، فدولة «الكوسة» لن تنفعك يا مرسي.. دولة «الكوسة» التي تحتضن بها جماعتك وتلفظ بها بقية من حولك من المصريين ستنهي عهدك.. تمكينك لأهلك وجماعتك سينهي حكمك كما أنهى حكم الحزب الوطني الذي حاول السيطرة على مفاصل الدولة، فأسقطه الثوار بلا خوف.