2011/12/28

درس حرارة



أنت الآن تجرى بعيونك على السطور المكتوبة بينما يوجد شاب مصرى معروف باسم "أحمد حرارة" شاءت له الأقدار أن يفقد هذه الميزة لإيمانه بمصر بصيرة حرة ينعم فيها أهلها بالكرامة لكن رصاصات غادرة وقفت بكل "غشومية" تصطاد عيونه.

هذا الشاب قد تكون عارفا بحكايته التى تشهد له بشجاعته حيث فقد نور العيون مرة فى أحداث ثورة يناير يوم جمعة الغضب وأخرى فى أحداث شارع محمد محمود.

لماذا لا تقوم وزارة التربية والتعليم بوضع درس فى مقرر اللغة العربية لطلبة المدارس الابتدائية يحثهم على التعلم من حكاية الدكتور أحمد حرارة بصورة تزكى فيهم روح الوطنية والأمل وساعتها يبقى لدينا ضمان إن العيال يلزق فى دماغها درس يفيدهم ويشجعهم يحبوا البلد ويتعلموا إن فيه ناس طارت عيونها لأجل البلد وساعتها يكبروا على فكرة الاحترام للجميع وإعطاء الحقوق لهم إن كانوا من المواطنين أو إذا ربنا كرمهم وكانوا من الحاكمين فلا يتعرضون لنسيان أو إغفال يؤدى لإهدار حق مصاب أو شهيد.

لا أعرف كيف أصل باقتراحى لوزارة التربية والتعليم لكن ممكن بتعاوننا مع بعضنا نعمل حاجة تقدر توصل صوتنا لوزارة التعليم ومنها نقدر نكرم الدكتور أحمد حرارة ولو إنى عارف إننا مهما عملنا فلن نستطيع تعويض البطل.

وساعتها درس أحمد حرارة سيكون برقبة درس "أنا ماجد" الذى يتباهى بأمه وأبوه ولا كأنه كابتن ماجد الذى يوجع دماغنا بالجرى ثلاثة أيام داخل الملعب حتى يمكن من إحراز الهدف لكن الكورة تخبط فى العارضة وتعود له بعد ثلاثة أيام أخرى والجمعة إجازة.

الفكرة ببساطة إننا نربى عيالنا على الاحترام لأن الحكاية مش تعليم وخلاص إنما الحكاية تربية قبل التعليم.

يعنى عيالنا تتربى من صغرها على حب الوطن وحب من يعيش معك داخل الوطن من غير تمييز أو تريقة على شكله أو دينه أو جنسه.

عيالنا تتعلم من ناس تضحى بأغلى ما تملك كنعمة البصر حتى ترى مصر نور الحرية ببصيرة العدالة.

الولد والبنت يدخلوا المدرسة ومن سنة أولى ابتدائى يكون فيه درس عن أحمد حرارة وغيره من شهداء الثورة والمصابين يتعلموا منهم حب البلد بالعمل والاجتهاد وقول الحق وتطبيق العدل.

وساعتها لو التعليم ربنا كرمه بدروس من عينة الثورة مع تفكير قائم على البحث والإبداع والابتكار يبقى ممكن ساعتها نطلع القمر حتى لو أنت شايف إنه حلم مستحيل، ما هو ساعتها المخلوع مبارك ومن حوله كان فى بطنهم بطيخة صيفى تؤكد إن الشعب لن يثور، شوفت إن الموضوع محتاج إرادة وقدرة وثقة بالله.

ولحين وضع درس أحمد حرارة فى مقررات اللغة العربية سواء كان بعنوان "حرارة" أو "عيون الحرية" أو أى اسم تقترحه حضرتك فهناك طريقة أخرى يمكن للدولة أن تكرمه من خلالها إذا كانت لديها النية وذلك عن طريق تعيينه داخل مجلس الشعب منها يبقى الناس تقول على صاحب القرار يا زين ما اختار ومنها تبقى الثورة ضمنت وجود شخص يدافع عنها تحت قبة البرلمان.

2011/12/27

حسنى الثورى




السيارات توقفت عن سرعتها الشديدة أمام أبواب المستشفى المجهز بأحدث الإمكانيات الطبية العالمية حيث يرقد فيها المريض الذى ينظر من شباك حجرته على هؤلاء النازلين من تلك السيارات.

السيارات خرج منها ضابط ومعه مجموعة من العساكر يتحركون بسرعة نحو سلم المستشفى للصعود إلى من كان ينظر من وراء زجاج حجرته عليهم.

الضابط يسير فى ممر طويل ثم يجد فى نهايته غرفة على اليمين وأخرى على اليسار.

يتوقف الضابط موجها نظراته إلى الغرفة التى تقع باليسار حيث يتأكد من رقمها ثم يأمر الحرس الواقف على الغرفة بالابتعاد عن طريقه حتى يدخل الغرفة فينصاعون لأوامره دون مناقشة.

المريض يجلس على السرير ولا يعرف سر الزيارة كما أنه لم ير هذا الضابط من قبل لكن حيرته تتلاشى عندما ينطق صاحب النسر المعلق على كتفيه:مالك يا حسنى وشك مخطوف ليه؟

يرد المريض الذى نطق الضابط اسمه فيقول:أنتم مين؟

يبتسم الضابط قائلا :ماتخفش يا حسنى إحنا جايين نشيلك على كفوف الراحة.

وكانت كلمة كفوف الراحة بمثابة كلمة السر التى ينتظرها العساكر حتى يتجمعون حول سرير المدعو حسنى وكل منهم مكلف بمهمة محددة حسب الأوامر التى ألقاها عليهم الضابط قبل زيارتهم للمستشفى.

أحد العساكر أخذ اليد اليمنى لحسنى ووضعها فى الكلابشات لتصبح مربوطة بظهر السرير الراقد عليه وجندى آخر أخرج صندوقا به صراصير قام برشها على أرضية الغرفة والثالث أمسك بصاعق كهربائى له أصوات مرعبة على آذان حسنى الذى تبدلت ملامحه التى كانت فى سكينة وهدوء واطمئنان إلى فزع من مجهول لا يعرف أمره سوى رب كريم.

"إيه يا حضرة الظابط ده .. الكلام ده مايصحش مع واحد زيى".

نطق المريض بكلماته فما كان من الضابط إلا أن أخرج سيجارته ثم أشعلها وبعد لحظات تكلم قائلا:ليه يا عم حسنى أنت مين بجلالة قدرك؟
حسنى:أنا الريس يا ابنى وعيب تكلم مع حد زى والدك بالطريقة دى.

الضابط:والدك .. شيلله يا والدى..وبسلامتك ريس على سفينة تايتانيك ولا إيه؟

تدخل عيون حسنى فى لحظة استدعاء لدموع يمكن لها أن تحنن قلب هذا الضيف الثقيل.

يرفع حسنى يده المتحررة من الكلابشات ناحية أنفه ثم بعد حكتها عدة مرات يتوقف على صوت الضابط الذى يأمره قائلا:ما تبطل لعب فى مناخيرك.

يرد حسنى بصوت مبحوح:مش كفاية عليك معذبنى .. إيدى فى الكلابشات وفيه صراصير ع الأرض عمالة تقرب من سريرى والعسكرى اللى واقف فوق دماغى وعمال يبرق لى وكل الرعب ده ومش عايزنى ألعب فى مناخيرى..حرام عليك يا مفترى..حرام عليك..أنت مين اللى باعتك..إحنا ما اتفقناش على كده.

الضابط:اتفقت على ايه يا حسنى؟

حسنى:اتفقت إن معاملتى تكون حلوة ومعزز مكرم.

الضابط:وده مين اللى اتفق معاك على كده؟

يصمت حسنى ويرفض الرد على سؤال الضابط ثم يتوج بنظره إلى سقف الحجرة قائلا:أنا عايز معاملة ثورة.

يقترب الضابط منه قائلا:دلوقتى بتتمسح فى الثورة وزمان تقول صوابع خارجية وأجندات وتضحك علينا بخبثك .. يا راجل ده أنت ماعملتش هيبة لسنك والحشاكيل بتوعك فالحين يقولوا صاحب أول ضربة وأول طلعة وآخرتها طلعت أكبر أونطجى.

يصرخ حسنى:ماليش دعوة أنا رافض معاملتى بالشكل ده أنا عايز عدالة ثورية وكرامة زى ما الشباب نزلوا وهتفوا فى التحرير..لازم تكلم الثورة ع التليفون وتقولهم إنى عايز حقى على كلبشة إيدى فى السرير والمعاملة غير الآدمية لراجل فى سنى.

أثناء ذلك الصدام مع حسنى فى غرفته خرج التليفزيون معلنا عن قيام ضابط ومجموعة من العساكر باقتحام غرفة مريض يدعى حسنى بمستشفى على آخر أطراف القاهرة وهذا الأمر دفع القوى الثورية للاحتجاج حيث طالبوا بمعاملة آدمية لحسنى كما نادت الثورة بأهمية الكرامة لكل إنسان مصرى.

وبعد هذا البيان قررت الثورة أن تطبق مبدأ العدالة والكرامة بمحاسبة حسنى وأعوانه على جرائمهم السوداء فى حق من كانوا يحكمونهم بالحديد والنار كما تمت أيضا محاسبة من عاملوا حسنى بهذا الشكل المهبب كما وصفه فى المستشفى.
هذه المعاملة الهباب أدت لاعتراف حسنى بتهمه ومشيت عجلة الإنتاج وانتهى وجع الدماغ كما يراه أصحاب الأسف والندم على رحيله.

ويوم النطق بالحكم وقف حسنى فى القفص ناظرا لوزير داخليته قائلا:شوفة آخرة معاملة الظباط للمقبوض عليهم خلونى زيي زيهم أقر وأعترف من خوفى منهم.

رد وزير داخليته:أنت هتلبس أى مصيبة فيا يا ريس؟..شوف مين اللى غرقك وبعدين أتكلم.

هنا عاد حسنى من نظراته إلى سقف حجرة المستشفى فوجد نفسه وحيدا والأرضية نظيفة ولا كأنها مغسولة بصابون سائل ثم تحسس يديه فوجدها حرة قادرة على مسك ريموت التليفزيون و تشغيله على قناة تذيع أغنية "اخترناه اخترناه".. ابتسم حسنى ثم قال فى تكبر:طول ما حبايبى موجودين يبقى سلملى ع الثورة.

2011/11/29

كلمة السر 500



الشارع أصبح فى حالة كرنفالية تشبه وقت خروج الناس لصلاة العيد و أيضا وقوفهم فى طابور أنابيب البوتاجاز أو الحصول على رغيف عيش.

الطوابير منتشرة بطول الطريق و الكل واقف من أجل المشاركة فى انتخابات أول برلمان بعد الثورة التى أطاحت بالمخلوع مبارك.

خلال وقوفى فى الطابور وجدت نفسى أمام مدرستى الابتدائية التى تعلمت فيها و لعبت فيها أحلى حصص ألعاب ثم أوقفت شريط الذكريات الذى مر على أبلة آمال و أستاذ سيد و مدير المدرسة أستاذ فؤاد و قررت الحديث مع من يقفون فى الطابور سواء كانوا قبلى أو بعدى و اتضح من كلامهم عدة أمور منها أن نزولهم يأتى خوفا من الغرامة التى قد تطبق عليهم إذا لم يذهبوا للإدلاء بأصواتهم و طبعا لأن الايد قصيرة و العين بصيرة كما قالوا فقرروا تحمل الوقوف فى طابور على ألا يدفع جيبهم 500 جنيه غرامة.

البعض رأى أيضا أنه يعيش فى حرية و بالتالى عليه المشاركة و الاختيار بكرامة خاصة و أن لديهم اعتقادا بنزاهة هذه الانتخابات عن ذى قبل لأن العهود الماضية كانت تشهد سيطرة الحزب الوطنى و أتباعه على سير العملية الانتخابية و كان بالبلدى كما سمعت منهم "واكل حقهم".

سألت نفسى : لماذا سكت بعض من الواقفين فى طابور الانتخاب على الحزب الوطنى كل ذلك الوقت؟

و جاءت الإجابة تردد إن الواحد كان بيمشى حاله و كل انشغاله كان فى ساقية الماديات لكن ربنا كرمنا بالثورة و إن شاء الله حقنا مش هيضيع.

الطابور يتحرك فبعد أن كنت أقف تحت شجرة مكتوب عليها "خميس و سعدية حب للأبد" انتقلت إلى حائط ملصق عليه ورقة دعاية لأحد الناخبين و مكتوب عليها : اختار طريق الجنة.

و هنا انتقل نقاش الطابور إلى استخدام الدين كدعاية للمرشحين فقال واحد : و الله أنا هدى صوتى للجنة و شرع ربنا و رد عليه التانى : يا سيدى اختار الناس بناء على برنامجهم و سيب الدين على جنب.

كانت هذه الكلمة توشك أن تشعل أزمة و لا أزمة كلينتون و فضيحته مع مونيكا لكن بعد ما النفوس هدأت بين الواقفين فى الطابور خرج صوت من واحد واقف بالقرب من باب اللجنة و قال لهم : يا جدعان أحنا جايين نختار مصر و سواء دعاية فى جامع و لا فى كنيسة عشان بشر يبقى ده أكبر غلط و مات الكلام على كده و كل واحد يختار اللى يعجبه.

هدأت نفوس الناس فى الطابور و كلهم يتمنون أن تكون الانتخابات فاتحة خير على البلد و تسيير للحال و فتح أبواب الرزق للكل و الرغبة فى الاستقرار و البعد عن شبح الغرامة التى تهدد من لا ينتخب خصوصا و إن كل واحد يقف فى الطابور و يحس بالزهق يقولك : الله يخرب بيت الـ 500 ، لكن يأتى الرد من ناس زى الفل بقولهم : الله يخلى الثورة اللى بتجيب لنا حقنا.

و تنتهى الكلمات بابتسامات متبادلة يقطعها صوت العسكرى على باب المدرسة قائلا: اللى بعده.

2011/11/27

أنت و مزاجك


الناس مشتتة و لا تعرف من تختار فى الانتخابات و الناس هنا هم الذين أقابلهم فى طريقى للشارع مصادفة.

فالحزب الوطنى المنحل كان يعزل الناس عن ممارسة حقوقهم السياسية كما يرون فلذلك كانوا يمتنعون عن المشاركة إيمانا بأن صوتهم سيطوله البطلان إذا كان ضد الحزب الوطنى أو سينعم بنار التزوير من أجل انتخاب واحد من الأعضاء الذين يدعون بأنهم يخدمون البلد بحزب وطنى.

لكن الناس الآن فى حيرة و اعتقد أن سببها يرجع إلى أن دائرة مثل التى ينتمى لها العبد لله لم أجد أى مرشح قادر على تقديم دعاية انتخابية تحدد برنامجه و أهدافه التى يمكن مقارنتها مع مرشح آخر بدلا من الشعارات التى لا تودى و لا تجيب.

فدعاية المرشح انحصرت فى صورة كبيرة أكبر من 4 X 6 ملطوعة على لافتة عريضة عليها اسمه و شعار جميل ما أقدرش أقول حاجة عنه و كفى الله الناخبين حيرة الاختيار.

فلا استعان المرشح بدعاية يقدم فيها برنامجا يحدد دوره السياسى الذى سيلعبه تحت قبة البرلمان و لكنه إما أحضر صورة شبيهة لبطاقته الشخصية و قام بتكبيرها مع مزجها بالألوان و خلفية لنبات أخضر أو علم مصر أو شمس و نيل و فكرته الأولى و الوحيدة هى أن "وشى بطاقة" و يكفى حب أهل دايرتى و المجتمع و الناس.

أو أكتفى المرشح بدعاية حزبه بمدد إعلانية قصيرة على الراديو و التليفزيون أو عبر الانترنت و الذى يريد البحث عن برنامج المرشح فعليه أن يبحث.

و لا أعتقد أن الإحجام من المرشحين فى الانتقال بين جموع الناخبين و شرح أهداف نزولهم للانتخابات و برنامجهم يعود إلى كبر حجم الدائرة فلو كانت هذه حجة فمنطق التعامل معها يكون بحكم حب أهل الدايرة أن يستعين بمندوبين يقوموا بالواجب و يعرفوا الناخب أهداف مرشحهم و دوره الذى سيفعله عندما يدخل إلى مجلس الشعب و لا يكون الاعتماد فقط على أيام رمضان و الأعياد و توزيع السكر و اللحوم و الزيوت و يكون الشعار : تشترينا أشتريك و تشبعنى أنتخبك.

فى النهاية اختار على مزاجك و تذكر الثورة بشهدائها الأبرار الذين مهما كتبنا لهم فلن نوفى قدرهم و تذكر الثورة بمصابيها شفاهم الله و عفاهم و نرغب من رحمته أن تنزل بعدلها على من يحكم فيحاسب المتسبب فى إهدار نور عيونهم و بصيص الأمل فى حياتهم.

و إذا كنت معترضا على النزول للانتخاب أو موافقا فما علاج حيرتك إلا بأن تفعل ما تعتقد و تستفتى قلبك.

2011/11/25

حرق الدم


التحرير يتنسم عبير الحرية بينما بعض بيوتنا المصرية تعيش بعقلية "خلينا جنب الحيط" و "إحنا طلعنا بيكم فى الدنيا" و "ليه ترمى نفسك للتهلكة و تروح التحرير" و غيرها من كلمات صادرة من أب و أم بدافع العاطفة التى تعشق أبنائها فلا تريد أن تراهم بعين واحدة أو يكون المشهد الأخير لهم ينتهى برصاصة ترسل أعز ما يملكون إلى الجنة حتى يعيش من ينتمون لنفس بنى وطنهم فى كرامة و عدالة.

هذه الأسر التى كافحت من أجل تربية أبنائها هى نفسها الأسر التى تأتى لأبنائها بالمدرسين و دفع الأموال لهم حتى يحصل فلذات كبدهم على درجات عالية تتوج بزغروطة من الأم و أب يفرح ببنته التى سترتدى الفستان الأبيض ثم تأتى له بأول حفيد بعد شهور يقول له : يا جدو.

هذه الأسر التى تخاف على أبنائها ما رأيها عندما تعيش تحت حكم مستبد يرى شعبه "بيتسلوا" و يصطادهم برصاصه كأنهم عصافير تغرد بالحرية بينما هو يرى قتلها مجرد ردع لأعمال شغب؟ و إذا حكمت القصة بإنكار التهمة فيبقى نرميها على اليد الثالثة المخفية التى لا تظهر إلا وقت المظاهرات و لا يتم الوصول لهؤلاء الأشباح و يضيع الحق بسبب هؤلاء.

ما رأي ست الحبايب عندما ترى ابنتها التى ربتها و هى عائدة لبيتها بعد الجامعة و يتحرش بها واحد ضارب بانجو فى وسط الشارع و على عينك يا تاجر فلا يهاب أحدا لأنه يعيش وسط شرطة يدها مرتعشة تخاف أن تمد على بلطجى لكنها تبطش بيد من يتظاهر بشكل سلمى و لا مانع من أن تريه العين الحمراء؟

ما رأى الأب الفاضل عندما يكبر ولى عهده الذى سيكمل مسيرته فيخرج عاطلا لا يجد عملا و يحس بمنتهى التعاسة لأنه طويل بسم الله ما شاء الله نفسه يثبت ذاته لكن اليد قصيرة و العين بصيرة لأنه فى دولة لا تراعى العدالة الاجتماعية فى الوظائف و الأجور؟

ما رأى أى أسرة سعيدة تغنى للثورة و تشجعها و ترفض نزول أبنائها للتحرير خوفا على حياتهم بينما هم إن أصابتهم مصيبة صحية و ذهبوا لمستشفى حكومى شعروا بشىء من المذلة فى قلة الإمكانات و الوقوف فى طابور حتى نيل شرف الكشف عند الطبيب ثم الحصول على العلاج بينما غيره ينعم بأمواله رزقه الله و زاده بخيرها و يأخذ حقه بفلوسه؟

بعض من مساوىء تظهر فى دولة عشتم فيها يا كل أم و أب و سكتم عليها بحكم الاستقرار و أن ربك كريم و لا ينسى أحدا من عباده و كله مقدر و مكتوب.

طيب و ما المانع فى الإيمان بهذا المقدر و المكتوب على أبنائكم و تتركوهم يرسمون حياتهم بأنفسهم و يأخذوا التجارب فيتعلموها ثم يحصلون منها على الايجابيات و يبعدون عن السلبيات.

لماذا لا تتركون أبنائكم يعبرون عن رأيهم و تكون إجابتكم : خايفين على عمركم ؟

طيب و العمر بيد الله فهل تقدرون منع أمره إذا أراد فيكون قبض أرواح أبنائكم و بناتكم داخل منازلكم؟

كل مقدر و مكتوب فلا تخافون من الموت لأنه قادر بأمر الله على مقابلتك فى أى وقت فربما لا تمشى ابنتك على ميدان التحرير و لا يهتف ابنك هناك و من ثم يطيعان أوامركما لكن الله يستطيع أن يسترد أمانته و هم حولكم.

يا كل أب و أم اتركوا لأبنائكم و بناتكم حق بناء مستقبلهم وتجديد دماء الحياة فى بلادكم بدلا من حرق دمهم.

شجعوا بناتكم و أولادكم حتى لا يقف الواحد منكم فى طابور يتأفف فيه من ضياع الوقت و تعب القدمين و حتى لا تتعب فى الحصول على علاج و أجور محترمة و حتى تستطيع أن تشعر بعدالة و أمن و كرامة يرجع الفضل فيها لله ثم للشعب الثائر بحق حتى يقضى على الفساد و يبنى الأمجاد.

2011/11/19

إذا قامت ثورة جديدة

 
قال لى : أنا شايف إن الثورة هتقوم تانى أنت رأيك إيه؟

سؤال خبط دماغى و قررت ألا أقوم بالتنظير و ابتعد عن فلسفة ما يطلق عليهم "الخبير الاستراتيجى" حتى أستطيع الإجابة.

ببساطة ما يحدث فى مصر بعد ثورة أطاحت برأس النظام و نادت بالعدالة و الحرية و الكرامة ثم تبقى بقايا النظام الفاسد تعيش معنا كما هى و بدون تغيير و تتمتع بحق الترشح فى انتخابات عمرها على كف عفريت و يتم تحويل المدنيين إلى محاكمات عسكرية بينما ينعم مبارك و رجاله بمحاكمات أمام قاضيهم الطبيعى و الشرطة تعيش فى حالة من "الزعل و القمص" و تعتقد أنها لن تعمل إلا إذا عادت هيبتها فى توقيف الناس على هواها و القيام بعملهم على شاكلة : أركن هنا ياض و أنزل كلم الباشا فى القسم ..  و إذا لم تدرك الشرطة قدرتها على القمع فهى لن تعمل أو بالأحرى ستعمل على قمع المتظاهرين بكل ما أوتيت من قوة مستخدمة قنابل مسيلة للدموع و رصاص مطاطى و كأننا فى مواجهة بين الفلسطينيين و الاحتلال الاسرائيلى.

مؤكد أن إسرائيل تصدر المشهد للعالم أنها فى حالة دفاع عن نفسها و أن الفلسطينى يعتدى عليها بكل قوة بينما سلاحه: "الحجارة".

نفس الشى يفعله التليفزيون المصرى الذى يصفق و يهلل لمن يحكمه فإذا كان اسمه مبارك فعاش المخلوع و إذا كان اسمه المجلس العسكرى فعاش حكم العسكر و لا عزاء للشعب و لا عزاء لمصابى الثورة الذين بدلا من أن نقدرهم و نجلهم و نضعهم فوق رأسنا افتخارا بدورهم الوطنى فى الثورة نقوم بالاعتداء عليهم لأنهم يعتصمون من أجل أخذ حقهم فى العلاج بينما العدل يقول إن طلباتهم من المفترض أن تكون أوامر و لا تحتاج لتظاهر أو اعتصام و لاينبغى أن يكون تكريمهم هو الضرب و السحل و الإرسال جثة هامدة لمن سبقوهم من الشهداء.



يقولون إن ضرب المتظاهرين و فض الاعتصامات يحدث فى أعتى الدول الديمقراطية سواء فى أمريكا أو أوروبا و أقول لهم هل نطبق الديمقراطية و الحريات التى تعيشها تلك الدول على بلادنا حتى بعد قيام الثورة؟ هل يحصل الكل على حقوقه بكرامة كتلك الدول التى نستشهد بها وقت القمع بينما وقت العدالة نستخدم ثقافة الطناش؟

فى نهاية المطاف وصلنا بعد أيام و شهور من الثورة إلى سكة لا تسر أحباء الثورة لكنها ترضى أعداء الثورة.

وصلنا لحالة من العك فى تسيير الأمور .. صراع على الدستور و لا الاستفاء.. صراع على الإعلان الدستورى .. صراع على مبادىء حاكمة للدستور .. صراع من أجل الصراع و لا نظرة واحدة لأجل مصر.

حالة من العك لا تنفعها إلا ثورة ثانية تعمل دون شعارات.

و إذا قامت هذه الثورة من جديد فوقتها يجب أن نتعلم من أخطاء الثورة الأولى التى تركت الميدان دون أن تحكم بالعدالة و الديمقراطية فكانت النتيجة هى الوصول لحالة من الضباب المميت للحياة المصرية.

كل ما تم فعله هو الكلام و الكلام و الكلام عبر الفضائيات و استعراض العضلات فى الحشد على كل المستويات بينما تناسينا أن الشعب هو مصدر السلطات.

و عند كلمة الشعب يقف الجميع يتحدث باسمه و هو لم يفوض باسمه أحدا و إذا كانت الثورة تميزت بوحدة المصريين على مختلف أطيافهم فربما نحن فى حاجة لوحدة أكثر و قيادة واحدة اسمها: مصر.

نحتاج لحالة من المصارحة و المكاشفة يحدد فيها المجلس العسكرى بشكل واضح الموعد الزمنى المحدد لتسليم السلطة للمدنيين و نحتاج لتوافق بين القوى السياسية نحو دستور يرضى كل فرد حى يرزق و يحمل بكل فخر الجنسية المصرية نحتاج لإعلام يتقى ربنا و يعمل تحت قسم : و الله العظيم أقول الحق .. إعلام لا يقوم كما فعل التليفزيون المصرى باستحضار متهم للتعليق على ما يحدث فى البلاد و هو يحمل تهمة الاعتداء على المتظاهرين فى موقعة الجمل و حتى لو نؤمن بقاعدة المتهم برىء حتى تثبت إدانته فلا ينبغى أن نسير وراء الشبهات و إلا كان على القائمين فى ماسبيرو أن يستعينوا بالمخلوع مبارك لمعرفة رأيه كحاكم سابق فى إدارة الوضع القائم.
 

فى نفس الوقت نحتاج دولة تكون سلطتها نزيهة و لا تضرب النار على إعلامها لأن من يخاف من شىء يقتله و من لديه الحق لا يخفيه.



إذا كنت تحب هذه الأرض المصرية فكن خادما لها لوجه الله و لا تقف عند مهاترات و عتاب مع أحد بأنك نزلت للميدان و هو لا ينزل لأن من يحبها لا ينتظر المنظرة بما قام به من أجلها و كل يخدمها بطريقته.

عندى إيمان أن روح الثورة موجودة فى نفوسنا لكننا نحتاج الرغبة و القدرة و الإرادة حتى نطبق ما تدعو إليه و لمن يجلس و هو يظن أنه فى مأمن فعليه إدراك أن على الباغى تدور الدوائر.

2011/11/18

عذاب أم


سقطت صريعة المرض فهى متعبة طوال اليوم بسبب عملها سواء داخل المنزل أو خارجه من أجل الإنفاق و التحويط على من يعيشون معها و تمنحهم بفضل الله فرصة أن ينادونها بكلمة : ماما.


تجمع الأبناء و كل منهم يحاول إفاقتها لكنهم فشلوا و خرج واحد منهم يرتدى نظارة و بين يديه كتب عن تاريخ الأمم فقال بكلمات سريعة : لازم نجيب دكتور حالا.

و ردت واحدة من بناتها ترتدى النقاب قائلة : أنا هتصل بالدكتور اللى كانت متابعة معاه علاج قلبها.

و ترد أخرى ترتدى الحجاب : لأ لأ .. أكيد دى غيبوبة سكر و لازم نكلم الدكتورة اللى متابعة معاها.

الأم راقدة على الأرض بينما ينطق واحد من أبنائها له وجه مستدير تعلوه كما يسميها الناس "زبيبة الصلاة" و على حدود خد ذقن سوداء فيقول : لازم نرحم أمنا من تعبها و نطبق شرع الله فى رعايتها.

كانت هذه الكلمات الأخيرة بمثابة السيف الذى قطع رأس الحياة لدى الحاضرين من الأبناء فكل منهم يحاول أن يبرز أمجاده و بطولاته و سيف الحنان الذى يضرب به أى ألم يصاحب أمه و يستعرض كل حاضر منهم ما يفعله من أجل خاطر عيون "ست الحبايب" و كيف يطيع أوامرها و ينزل كل جمعة إلى قبر الوالد لزيارته و السير على وصيته و الدعاء له.

البنت الواقفة بشعرها الناعم تتحدث عن مساعدتها لأمها و وقوفها أمام البائعين الذين يعكننون على والدتهم و يخبرونها دائما إنه لولا وجودهم و وقوفهم إلى جوارها ضد صاحب البيت و حمايتها مع أولادها و بناتها من بطشه لكانت زمانها مرمية فى الشارع.

كل هذا الكلام يدور و الأم راقدة على الأرض ثم أصبحت راقدة على السرير غائبة عن الوعى و كل ابن و ابنة فى صراع من أجل جلب الدكتور أو الدكتورة لإفاقتها.

انحصرت مشكلتهم فى وجود تليفون أرضى داخل المنزل و كل منهم يشد الآخر و يمنعه من الحركة حتى لا يصل لسماعة التليفون و ينال شرف استدعاء القادر على تقديم العلاج بينما الشفاء من عند الله.

واحد منهم يقول : لازم ترجع أمى للحياة بالدكتور اللى أنا عارفه !!

و ترد أخته عليه و هى تسعى لشل ذراعه الأيمن لتمنعه من الوصول للسماعة : ده بعيد عن شنبك .. أنا اللى هتصل بالدكتور و هجيبه لأمى و هدفع تكاليف علاجها عشان لما تصحى بالسلامة تعرف إنى كنت خايفة عليها و اتصلت و أنقذت حياتها.

خرجت الكلمات من فم كل الأبناء و البنات فى صوت واحد لا تستطيع أن تميزه و كلهم فى صراع يمنع الجميع من الحصول على السماعة و الاتصال بمن يستطيع تقديم العلاج لأمهم.

فكر الداهية الذى فيهم بأن يستخدم تليفونه المحمول فوجد أن رصيده لا يسمح فقد تبخر منذ قليل بعد آخر مكالمة أجراها مع شقيقه الذى يعمل فى الخارج.

لمحته أخته و هو يستخدم تليفونه المحمول و يعبث بأزراره لكن الرد على أذنيه جاء واضحا : عفوا لقد نفذ رصيدكم.

انتهى رصيد الأخ لكن رصيد تلك الأخت لم ينفذ إلا أن الدكتور الذى تحاول الاتصال به يبدو أن تليفونه "ربما يكون مغلقا" كما تقول السيدة التى عبرت منذ قليل عن انتهاء الرصيد.

الأم ترقد على السرير بلا حركة و الأبناء و البنات رغم تربيتهم فى بيت واحد إلا أنهم فى صراع لأجل جلب من بيديه العلاج بينما الشفاء من عند الله لكن لم يصل أحد لسماعة التليفون و أى هاتف مطلوب فهو مغلق.

لا يزال الأبناء و البنات فى صراع و انفعال مرسوم على وجوههم من أجل إنقاذ و حماية أمهم و كل منهم يسعى بطريقته و يقنع الآخر بأن دكتوره الذى سيستدعيه هو الأفضل.

ها هى ترقد فى جلبابها الأبيض و من عاشوا داخل بطنها قبل دخولهم للحياة بالبكاء
يتصارعون بينما حياتها واقفة.



2011/11/11

ألم جميل !!


يعشق الإنسان من يؤلمه و يكره من يعطيه كامل الراحة ربما يكون ذلك فى سكة من الخيال لكنها قد تكون حقيقة نخفيها عن أبصارنا.

فالإنسان الذى يهوى "الأكلات الحريفة" لا يجلس على مائدة الطعام إلا و "الشطة" حاضرة مشرفة توزع رشاتها على الأطباق و تكون هى نجمة الشباك خاصة إذا كان الطعام يحتوى على "المكرونة" أو يتشرف بسيد الأطباق الشعبية "الكشرى".

و المرأة التى رزقها الله منحة الأمومة بعد الزواج نجدها و هى فتاة صغيرة تسعى للكوافير من أجل تجميل "خيوط الكنافة" التى تهبط على كتفيها، و إذا كانت ذات ملمس خشن فلا تجد أى مضض فى كى شعرها و تحمل رائحة "السشوار" الصعبة التى لا تذهب إلا إذا غسلت هذا الشعر بالمياه و وقتها ستقف أمام المرآة تتحسر على لحظات الجمال التى ضاعت.

و المشجعون الذين يقفون وراء فريقهم فى المدرجات يهتفون و يصفقون و يهللون و يقومون بإشعال "الصورايخ" و "الشماريخ" و دفع ما لا يعد و لا يحصى من قوت يومهم لأجل خاطر عيون ناديهم و كل ذلك لا يهم .. المهم هو الانبساط بتوليع الشمروخ و الهتاف بحياة النادى.

هذا بعض من صور بسيطة تشير إلى اتجاه الإنسان لطريق العشق و أقدامه ضاغطة على زجاج مكسور و باطن قدمه بل كل قدمه عارية و مع ذلك يواصل خطواته و على وجهه ابتسامة مرسومة طوال سيره فى طريق الألم لأنه يعشقه.

فالعاشق لمذاق الشطة يصل لدرجة يتخيل فيها أنه غير قادر على بلع الطعام بدون الحرائق المشتعلة على لسانه المتذوق لخيرات الله حتى و لو أدى به الحال فى نهاية المطاف إلى عملية مؤلمة تسمى "البواسير".

و التى تكوى شعرها الخشن لا ترفض أى رائحة كريهة قد تنتج من الكى و الفرد و لا تشكو من أى ألم يصاحب شد خصلات شعرها بل تقف صورتها على وجه المرآة التى تخبرها عن مقدار جمالها فتخفى ملامحها بزينة من مساحيق التجميل و كلها رضا عن نفسها لأنها ستكون من نجمات المكان الذى سيشرف بـطلتها و لا تجد غضاضة أيا كان الألم الذى لحق بتصفيف شعرها الغير ناعم.

كذلك المشجع فهو لا يجد أى أسى أو حزن فى مواجهة الأمن و الكر و الفر و القفز من على أسوار بوابات الاستاد و إنفاق ما فى الجيب لأجل خطار ناديه حتى و لو كان ما سيدفعه سيذهب رمادا على هيئة صواريخ و شماريخ ربما كان المفيد له أن يساهم بأموالها فى تنمية الأرض التى شهدت حضوره لدنياها لكنه لا يشعر بأى ألم طالما أن ناديه بخير و كله يهون من أجل مكسبه.

هكذا يذهب البعض منا فى النهاية إلى طريق يعشقه حتى و لو كان مؤلما.

و إذا كان الألم يخشاه البعض فهو لا شك جميل و تكون له الأفضلية إذا كان عملا يؤدى فى النهاية لخدمة البلد التى نغنى لها أكثر مما نعمل .. و أيا كان دورك فى الحياة .. فهنيئا لك سيرك على طريق الألم !!

2011/11/04

ثورة الخروف


تجمعوا و فى يدهم السكاكين و السواطير و كل شخص منهم متحفز للذبح و إسالة الدماء.

لكن حدث ما أسقط من يدهم كل الأسلحة و جعلهم يقفون كالتماثيل دون نطق بل كانوا يأخذون نفسهم الذى يصعد و يهبط و يظهر بوضوح على بطونهم المنتفخة.

لقد نطق الخروف و معه رفاقه من الخرفان و تحدث بلغة أصحاب السكاكين و أعلنوا - بدلا من صوت "الماء الماء" أنهم كما قال لسانهم اللذيذ إذا أكلته - : مفيش دبيح.

حاول الجزارون استعادة قوتهم المعروفة خاصة و أن عيال الشارع الحارة قرروا مشاهدتهم و هم يسمون بذكر الرحمن ثم يذبحون الخراف لكن المفاجأة كانت أكبر منهم.

و على الفور أعلن كبير الخراف أنه "المتحدث الرسمى باسم الخرفان" و توافدت الكاميرات الخاصة بالصحف و القنوات على مكان الحدث ليعرفوا : أسباب فشل الجزارين فى ذبح الخراف و كيف نطقت الخراف ؟ ... و غيرها من العناوين التى استخدمها المراسل الذاهب لتغطية الحدث لكنه سرعان ما سمع صوت المتحدث الرسمى للخراف الذى أشار على الجميع بالحضور لنقل رسالة حية توضح للجماهير العريضة لماذا رفض الذبح و لماذا يشعر الجزارون بالرهبة من الاقتراب منهم.


و جاءت كلمة المتحدث الرسمى للخرفان.

"السادة الكرام .. كل عام و أنتم بخير .. و دائما مليئة أطباقكم بالفتة و الشوربة و اللحمة .. و لكننا قررنا هذا العام ألا نستجيب لسكاكينكم و سواطيركم و نرفض الذبح.

و لعلكم تتساءلون لماذا قررنا ذلك؟

إنه ليحز فى أنفسنا .. و لا بلاش يحز لأنها فضلت منتشرة على لسان رئيس لغاية ما خلعه شعبه.

من غير كلام نحوى و مجعلص .. لازم نتكلم سوا بصراحة .. يعنى إيه واحد منكم نازل الانتخابات و يمسك لحمتى و يقعد يهلل عليها و يقف قصاد الناس كأنه هيوزعها لله لكنه عايز فى مقابل لحمتى أصوات حضراتكم .. يعنى مقابل لحمتى .. و اسمحوا لى يا اخوانى الخرفان أتكلم و أقول لحمتى بالنيابة عنكم".

يقف المتحدث الرسمى للخرفان عن خطبته بينما يشير له رفاقه من أصحاب القرون و الفرو بالمتابعة و الموافقة على كلامه.

يتابع كبير الخراف خطبته.

"يعنى إيه لحمتى تتوزع على الناس مقابل الحصول على كرسى فى البرلمان بتاعكم .. يعنى تستغلونا يا بنى آدمين عشان حتة كرسى ؟

يعنى هى دى شطارة منكم إنكم توصلوا للمجلس الموقر بحتة لحمة تأثروا بيها على الغلابة اللى يدوكم صوتهم بحكم صيانة العيش و الملح .. و الله عيب عليكم .. تبقوا فى عصر ناس طلعت فيه القمر .. و أنتم بتستخدموا مخكم فى توزيع اللحمة لأجل خاطر عيون مجلس.

مش مكسوفين على دمكم إن فيه شباب زى الورد طلع مفتح و مارضيش بحكم ضلالى فاسد كابس على أنفاسكم و ناهب خيراتكم و قاعد يقول لكم .. أصل أنتم كتير .. و بتخلفوا عيال زى الرز .. و هنجيب لكم منين .. و حجج فاضية .. مع إن الصين فى زيادة لا تعد و لا تحصى و شغالة 100 فل و 14 لدرجة إنها واقفة على أرضكم تبيع من الابرة للصاروخ.

ده غير وقوف حضراتكم يا بشر فى طوابير العيش و ساعتها الواحد يخرج يقف فى الطابور و مراته حامل فى الشهر الرابع و يرجع لها لما يكون ابنه حضر للدنيا و بيخلص ورق تقديمه فى الجامعة .. ده غير الأنابيب و طوابيرها .. و يقولك أزمة .. و فى نفس الوقت يتصدر الغاز لجارة دم ولادنا على ايديها فى الحرب و السلم.

ده غير الرعب و السجن اللى كان بيطول صحاب الرأى و الفكر من الجماعة المثقفين عندكم.

و بلاوى كتيرة سكتوا عنها لكن الشباب خرج و رفض و نطق بالحق بشكل سلمى لكن جبروت الحاكم ضيع شباب زى الفل تتباهى أى دولة بوطنيته.

كل ده و أنتم مركزين يا بشر على اللحمة و ازاى توزعوها على اللى يقدروا ينجحوكوا بأصواتكم فى مجلس الشعب .. اخص عليكم لما يكون الممبار اللى حيلتى هو دعايتكم للوصول للكرسى.

و عشان نبقى واضحين مع بعض اللى هيدبحنى لوجه الله أهلا وسهلا .. رقبتى ملك سكينته .. لكن اللى هيستغل دمى و كبدتى و لحمة راسى فى دعاية لانتخابات .. فكلنا الخرفان هنقف و نثور ضده  .. يا ترى أنتم يا بنى آدمين تقدروا تعملوا زينا خصوصا و أنكم عارفين إن الأرزاق على الله.


انتهت خطبة الخروف .. و استيقظت من الحلم.


2011/10/28

التسول الصامت



وجدتنى أقلب فى أوراقى فوقعت عينى على سطور مكتوب فيها " كانت النمسا قد خرجت من الحرب العظمى الأولى فقيرة مفلسة فقدت امبراطوريتها الواسعة و فقدت معها كل شىء".

"كان الزائر الأجنبى يشهد مظاهر الفقر و الجوع فى كل مكان .. كان يرى مثلا فى شوارع المدينة الجميلة ضباطا عظاما من ضباط الجيش النمسوى الامبراطورى القديم و هم فى ثيابهم العسكرية الممزقة و على صدورهم شارات الأوسمة و النياشين التى حصلوا عليها فى ميادين الشرف و الفخار و لكنهم كانوا يقفون أمام أبواب الفنادق الكبرى و المطاعم و المقاهى يتسولون.

كان الضابط منهم يقف و يضم راحتى يديه إلى صدره و يحنى رأسه .. و لا يقول شيئا .. تسول صامت هو أشد أثرا فى النفس من عبارات الاستجداء المعروفة فى مصر و فى ايطاليا و المصحوبة بأسماء الله و القديسين".

أوشكت الصفحة على الانتهاء و وجدت على الصفحة الجارة لها فى الجانب الأيمن عنوانا لكتاب أخذت منه هذه السطور و اسمه : بعض من عرفت .. للكاتب الراحل الذى لقبوه بأمير صاحبة الجلالة : محمد التابعى.

و من هذه السطور البسيطة نأخذ العبرة بأن مهما كانت قوتك و صلابتك فسيأتى يوم و تسقط مثل الحكمة التى تقول : ما طار طير و ارتفع إلا كما طار وقع.

ضاعت النمسا بسبب الحرب و ضاع معها قادتها العسكريين فلا نفعتهم نياشينهم و لا أوسمتهم فكل ما كان لهم هو الوقوف بصمت دون التفوه بكلمات "لله يا محسنين" و حسنة قليلة تمنع بلاوى كثيرة" و إنما الاعتماد على عطف أهل البر و الاحسان فهل يسود البر و الإحسان لدى الأطراف المتصارعة التى تسعى لحكم ديمقراطى سليم أم تستمر حالة الضباب و منها إلى الخراب؟

هل تستمر محاولات التسول الصامت من أجل أخذ الحقوق داخل المحروسة و أم الدنيا أم تنتزع الحقوق بشرعية تحترم القوانين و تحاسب الكبير قبل الصغير بكل عدل دون التفاف على إرادة الناس؟

هل نحن نسير فى طريق التسول الصامت أم فى طريق الحصول على الحق؟
أحيانا تأتى لحظات تشهد الطوفان الذى يغرق الجميع لأنهم غيبوا الحقيقة عن أعينهم فاعتمدوا على التهليل و التصفيق و تراجعوا عن كشف الغشاوة التى تمنعهم من تحقيق العدل و الديمقراطية و كل ذلك لأنهم أوقفوا العقل عن طرح التساؤلات التى تتكاثر و تتزايد و تحتاج لإجابات تنطق بالحق لوجه الله و لوجه الوطن.