السيارات توقفت عن سرعتها الشديدة أمام أبواب المستشفى
المجهز بأحدث الإمكانيات الطبية العالمية حيث يرقد فيها المريض الذى ينظر من شباك
حجرته على هؤلاء النازلين من تلك السيارات.
السيارات خرج منها ضابط ومعه مجموعة من العساكر يتحركون
بسرعة نحو سلم المستشفى للصعود إلى من كان ينظر من وراء زجاج حجرته عليهم.
الضابط يسير فى ممر طويل ثم يجد فى نهايته غرفة على اليمين
وأخرى على اليسار.
يتوقف الضابط موجها نظراته إلى الغرفة التى تقع باليسار حيث
يتأكد من رقمها ثم يأمر الحرس الواقف على الغرفة بالابتعاد عن طريقه حتى يدخل
الغرفة فينصاعون لأوامره دون مناقشة.
المريض يجلس على السرير ولا يعرف سر الزيارة كما أنه لم ير هذا
الضابط من قبل لكن حيرته تتلاشى عندما ينطق صاحب النسر المعلق على كتفيه:مالك يا
حسنى وشك مخطوف ليه؟
يرد المريض الذى نطق الضابط اسمه فيقول:أنتم مين؟
يبتسم الضابط قائلا :ماتخفش يا حسنى إحنا جايين نشيلك على
كفوف الراحة.
وكانت كلمة كفوف الراحة بمثابة كلمة السر التى ينتظرها
العساكر حتى يتجمعون حول سرير المدعو حسنى وكل منهم مكلف بمهمة محددة حسب الأوامر
التى ألقاها عليهم الضابط قبل زيارتهم للمستشفى.
أحد العساكر أخذ اليد اليمنى لحسنى ووضعها فى الكلابشات
لتصبح مربوطة بظهر السرير الراقد عليه وجندى آخر أخرج صندوقا به صراصير قام برشها
على أرضية الغرفة والثالث أمسك بصاعق كهربائى له أصوات مرعبة على آذان حسنى الذى
تبدلت ملامحه التى كانت فى سكينة وهدوء واطمئنان إلى فزع من مجهول لا يعرف أمره
سوى رب كريم.
"إيه يا حضرة الظابط ده .. الكلام ده مايصحش مع واحد
زيى".
نطق المريض بكلماته فما كان من الضابط إلا أن أخرج سيجارته
ثم أشعلها وبعد لحظات تكلم قائلا:ليه يا عم حسنى أنت مين بجلالة قدرك؟
حسنى:أنا الريس يا ابنى وعيب تكلم مع حد زى والدك بالطريقة
دى.
الضابط:والدك .. شيلله يا والدى..وبسلامتك ريس على سفينة
تايتانيك ولا إيه؟
تدخل عيون حسنى فى لحظة استدعاء لدموع يمكن لها أن تحنن قلب
هذا الضيف الثقيل.
يرفع حسنى يده المتحررة من الكلابشات ناحية أنفه ثم بعد
حكتها عدة مرات يتوقف على صوت الضابط الذى يأمره قائلا:ما تبطل لعب فى مناخيرك.
يرد حسنى بصوت مبحوح:مش كفاية عليك معذبنى .. إيدى فى
الكلابشات وفيه صراصير ع الأرض عمالة تقرب من سريرى والعسكرى اللى واقف فوق دماغى
وعمال يبرق لى وكل الرعب ده ومش عايزنى ألعب فى مناخيرى..حرام عليك يا مفترى..حرام
عليك..أنت مين اللى باعتك..إحنا ما اتفقناش على كده.
الضابط:اتفقت على ايه يا حسنى؟
حسنى:اتفقت إن معاملتى تكون حلوة ومعزز مكرم.
الضابط:وده مين اللى اتفق معاك على كده؟
يصمت حسنى ويرفض الرد على سؤال الضابط ثم يتوج بنظره إلى سقف
الحجرة قائلا:أنا عايز معاملة ثورة.
يقترب الضابط منه قائلا:دلوقتى بتتمسح فى الثورة وزمان تقول
صوابع خارجية وأجندات وتضحك علينا بخبثك .. يا راجل ده أنت ماعملتش هيبة لسنك والحشاكيل
بتوعك فالحين يقولوا صاحب أول ضربة وأول طلعة وآخرتها طلعت أكبر أونطجى.
يصرخ حسنى:ماليش دعوة أنا رافض معاملتى بالشكل ده أنا عايز
عدالة ثورية وكرامة زى ما الشباب نزلوا وهتفوا فى التحرير..لازم تكلم الثورة ع
التليفون وتقولهم إنى عايز حقى على كلبشة إيدى فى السرير والمعاملة غير الآدمية
لراجل فى سنى.
أثناء ذلك الصدام مع حسنى فى غرفته خرج التليفزيون معلنا عن
قيام ضابط ومجموعة من العساكر باقتحام غرفة مريض يدعى حسنى بمستشفى على آخر أطراف
القاهرة وهذا الأمر دفع القوى الثورية للاحتجاج حيث طالبوا بمعاملة آدمية لحسنى
كما نادت الثورة بأهمية الكرامة لكل إنسان مصرى.
وبعد هذا البيان قررت الثورة أن تطبق مبدأ العدالة والكرامة
بمحاسبة حسنى وأعوانه على جرائمهم السوداء فى حق من كانوا يحكمونهم بالحديد والنار
كما تمت أيضا محاسبة من عاملوا حسنى بهذا الشكل المهبب كما وصفه فى المستشفى.
هذه المعاملة الهباب أدت لاعتراف حسنى بتهمه ومشيت عجلة
الإنتاج وانتهى وجع الدماغ كما يراه أصحاب الأسف والندم على رحيله.
ويوم النطق بالحكم وقف حسنى فى القفص ناظرا لوزير داخليته
قائلا:شوفة آخرة معاملة الظباط للمقبوض عليهم خلونى زيي زيهم أقر وأعترف من خوفى
منهم.
رد وزير داخليته:أنت هتلبس أى مصيبة فيا يا ريس؟..شوف مين
اللى غرقك وبعدين أتكلم.
هنا عاد حسنى من نظراته إلى سقف حجرة المستشفى فوجد نفسه
وحيدا والأرضية نظيفة ولا كأنها مغسولة بصابون سائل ثم تحسس يديه فوجدها حرة قادرة
على مسك ريموت التليفزيون و تشغيله على قناة تذيع أغنية "اخترناه
اخترناه".. ابتسم حسنى ثم قال فى تكبر:طول ما حبايبى موجودين يبقى سلملى ع
الثورة.