2010/12/08

التاكسى الأسود

القصر العينى يا أسطى؟
بهذه الكلمات البسيطة بدأت معرفتى بسائق التاكسى الذى وافق على توصيلنا لطريق أتمنى ألا أذهب إليه و أرجو من الله أن يبعد القارىء و السامع عنه.

و الحمدلله أن السائق تعطف علينا و رضى أن يأخذنا معه إلى طريقه حتى لا يقف صديقى يتألم بينما كل تاكسى قبل ذلك يعلن رفضه التام عن توصيلك و كأن عبارة سيارة أجرة مفهومها انها سيارة ملاكى يتحكم فيها الأسطى قائد المركبة و يختار بكل تناكة زبائنه الميمونين.

ما علينا.. انطلق الأسطى و انطلق معه لسانه قائلا:عارف لو ناس غيركم ما كونتش ركبتهم.

طبعا لسانى قرر أن يعرف سبب التعطف الذى جعل السائق الكريم يرضى عنا و يكرمنا بشرف الجلوس فى سيارته و نحن ثلاثة صديقى المكسورة قدمه و أخى و كاتب هذه السطور.

أجاب السائق:إننا شكلنا و لاد ناس و مش متعبين زى بقية الزبائن.

و ما أن جاءت سيرة الزبون النظيف بدأ الرجل يحكى عن مسيرته فى المهنة و طبيعة عمله التى يفضل أن تكون من نهار ربنا حتى منتصف ليله و السائق تبين من كلامه إنه خريج لمعهد سياحة و فنادق يعانى من مرض الدوالى و بالتالى فلا توجد مهنة تسمح له بالوقوف فاضطر أن يعمل سائقا على تاكسى يصرف من خلاله على بيته و عياله.

السائق يتابع كلامه الذى يشير فيه إلى أن الناس أصبحت غارقة حتى ذقنها فى الماديات و الجرى وراء الفلوس كالوحوش إلا أنه بحكم سفره لفرنسا و حكم مهنته فى بدايته بالمطاعم و الفنادق العليوى فوجد أن الأجانب عندهم ذمة و ضمير و أخلاق رغم كل ما يقال عنهم و غياب الدين عن عقلهم و غيرها من تلك الأفكار.

و لقد ذكرنى كلام السائق بشيخنا الجليل محمد عبده عندما أشار بعد رحلته فى أوروبا إلى أنه رأى إسلاما بلا مسلمين.

 و نعود للسائق الذى شرح المجتمع من خلال الزبائن التى تركب معه فهو يرى أن الأخلاق ضاعت و الضمير راح فى غيبوبة و لا حياة لمن تنادى لدرجة أنه حكى لى عندما كان فى باريس و سأله فرنسيا عن كثرة الأغانى التى نرددها عن عظمتنا و أفحمه هذا الفرنسى بتعبير يتعجب فيه من تمسحنا بالفراعنة و معابدهم و مسلاتهم و اهراماتهم لدرجة أن السائح أفحمه أيضا أننا لا نفعل سوى الاستيراد من الصين و لا نقدم أى جديد فلا ابتكار و لا تطوير إلا فى الموبايلات و الرنات و النغمات و ضحك السائق ابتسامة حزينة وأخبرنى أنه وقتها لم يعرف كيف يرد على هذا الفرنسى الذى فجر قنبلة فى آخر كلامه قائلا:لو شوفت المصريين بره هتلاقيهم أحسن.

و عند هذه الكلمة سألنى السائق تفتكر العيب فى مين؟..فى الناس و أخلاقها التى أصبحت فى اسفل سافليين أم فى الناس الذين اصبحوا يتمسكون بالمبادىء لكن العين ليست عليهم.

و سكت السائق لكننى لم اسكت فقد اخبرت السائق لو كل واحد عمل بما يرضى الله المطلوب منه وقتها ينصلح حال البلد و من غير شعارات ..لو التزم كل صاحب مهنة بعمله و كل رب اسرة بواجبه ناحية اسرته و كل فرد بواجبه نحو البلد فى ابسط الأشياء لكانت البلد فى أفضل حال فلا تقدم و لا خير إلا بالناس مهما كانت الصعاب و مهما كان الحق مفقودا لكن كلما ارتبط الناس بواقع مجتمعهم و عملوا لمصلحته العامة لعم الخير على الجميع لكن الغفلة و إلقاء المسئولية على الغير تؤدى إلى نوم عميق الإفاقة منه تكون على كابوس غير سعيد.

 و رغم كل ذلك و ما دار بيننا من كلام فالسائق البسيط ليس ناقما على الحياة بل يشعر أنه هناك أمل كما اخبرته رغم كل ما تراه عينه و الأجمل من ذلك أنه يتوسم خير فى حال البلد لكن على حد كلامه :ينصلح الحال بانصلاح الناس و ختم حديثه بحكمة حلوة "الماديات غطت على الأخلاق يا استاذ لكن لو كل واحد قلبه على غيره ما كانش ده بقى الحال".
و لا أجد افضل من كلام الأسطى صاحب التاكسى الأسود و غدا نكمل إن أراد لى ربى و ربك الكتابة عن صاحب التاكسى الأبيض.

ليست هناك تعليقات: