خرجت مسرعة لا تعرف طريقا تأخذه
قدماها بل تمنت أن تطير بسرعة الصوت من المكان و تنزل فى أى مكان خوفا من فعلتها.
إن الهواء يغازل شعرها الذى يطير
بلونه البنى الداكن و الناس حولها تتحرك و السيارات تنطق بـ"كلاكساتها"
بينما رأسها تسبح فيما دار منذ لحظات حيث تجرى الأحداث أمام عينيها بسرعة البرق.
يطلب منها فى التليفون أن تأتى له فى
الحال لأنه يحتاجها لأمر ضرورى كعادتهما.
على الفور وضعت السماعة و ذهبت لحجرتها
تتخاطف ملابسها قطعة من هنا و أخرى من هناك حتى كانت تجرى على السلالم فى ظرف خمس
دقائق من المكالمة.
أسعفها الحظ أخيرا أن تقف ذات العجلات
الأربع التى تسمى سيارة أجرة أو تاكسى وفتحت الباب و ردته سريعا ثم انطلق بها
السائق إلى المكان المطلوب.
الجو نسماته باردة منعشة كعصير ليمون
ممزوج بنعناع و سار التاكسى يتخبط فى الهواء و ينتصر عليه فى كل مسافة تقطعها
السيارة إلى الأمام.
"أغدا ألقاك؟
يا خوف فؤادى من
غدى".
يبدو أن الست تعلم بحالها و دقات
قلبها التى سرحت مع أنغام كلامها الذى يشدو به كاسيت التاكسى.
الإشارة حمراء..الست مازالت تشدو..قلب
صاحبتنا مازال يدق..السائق يخرج يديه اليسرى بالسيجارة لأنها تضايق الزبونة.
ينتبه السائق للون أخضر..تسقط
السيجارة من يديه و تحتضن يداه عجلة القيادة و تضغط قدمه على دواسة البنزين لإكمال
مشواره.
مازالت حائرة مع دقات قلبها، تتساءل
فى صمت مسموع بداخلها عن سبب السرعة التى تتطلب منها الحضور كما أمرها صوته فى
التليفون.
ارتعبت أن يكون هناك خطر على حياته
فهى تتذكر الآن ما حدث من قبل فى أخر مرة لولا مجيئها فى الوقت المناسب.
تضحك الآن كما يراها السائق فى مرآته
فهى تعتقد أنها ربما مدعوة للحضور على أمر غير هام كعادة من دعاها رغبة منه فى
رؤيتها، "إنه مقلب"..لقد فعلها عدة مرات.
هكذا يردد لسان حالها المضطرب بين
خطورة الأمر و طمأنة النفس بهدوء الحال.
وقف التاكسى فى المكان المراد..ضغطت
بأقدامها على ظهر الأرض ثم سحبت حقيبتها لتحصل منها على نقود السائق الذى أخذها و
انصرف.
أسرعت بخطواتها على السلم حتى أصبحت
أمام الأسانسير.
(عطلان).
ستة أحرف مكتوبة على ورقة ملصقة على
باب الصاعد الأوتوماتيكى.
تجرى على سلالم العمارة و ينافسها
قلبها فى سرعتها، تتساءل وهى تندفع لمكانها المراد، لماذا تسرع خطواتها؟
حبا له أم خدمة له؟
هى تحبه أو قلبها على موعد من الإعجاب
معه كلما التقت به، هى تحب خدمته إرضاء لنفسها، لكنها كانت بجوار الكثيرين تخدمهم
بسعادة لكنها ليست بوظيفة خادمة.
سلمت يداها اليمنى على جرس الباب الذى
تراجع للوراء كاشفا الستار عن صاحب صوت التليفون، دخلت مسرعة بعد أن حياها لكن
شعره الأبيض يبدو على من يعرفه سوف يرتدى السواد عما قليل إنه غير قادر على الوقوف
فصاحبه أنحنى برأسه على كتفه الأيمن عقب جلسته على الكرسى.
حاولت إفاقته دون جدوى لقد سبقها إلى
عالم آخر لقد تأكدت من هذه العلبة التى تنام على طاولة طعامه إنها أقراص كثرتها فى
المعدة تؤدى لوداع الحياة، فما بالك إذا كانت العلبة فارغة؟
خرجت مذعورة خائفة من الشقة فهو وضعها
فى مأزق فى حياته و بعد مماته، مؤكد أن بصماتها على جرس الباب وعلى الطاولة، مؤكد
أنها ستتعرض لاتهامات.
تجرى ولا تعرف مكانا تستقر فيه لكنها
حمدت الله فكما جاءت و لم يرها أحد نزلت و لم تظهر عين لأحد تلتقط خطواتها.
دقائق قصيرة و جاءت تدوى بسارينتها عربة
الإسعاف لتأخذ من انتقل للعالم الآخر، و قد جاءت العربة بنداء من صوتها عقب
اتصالها من مكان للهواتف العمومية حتى لا تحوم حولها الشبهات لو اتصلت من شقته أو
من هاتفها.
إنها رغم هروبها قررت الاتصال لعل
هناك أمل فى إنقاذ حياته بعد أن اكتشفت سباحة يديها فى غطاء (الجوانتى) و بهذا
تموت بصماتها، لكنها من غفلتها تناست ما حدث.
وقفت من بعيد تراقب ما يحدث و نزل
المسعفون كما جاءوا و لم ينم من ذهب للعالم الآخر على سريرهم.
اعتقدت من ظنها أن تكون الشرطة فى
الطريق لتعاين المكان لأنه لا أمل فى إسعاف من ذهب لعالمنا الآخر و بالتالى سيشاهد
رجال الشرطة الحدث على الطبيعة و فى وجود صاحب المكان.
و قررت أن تسرع إلى بيتها خوفا مما
سيحدث فاستقلت نفس التاكسى الذى عادت فيه و ما أن رآها السائق ألقى بسيجارته لاعنا
اليوم الذى جعله يسير فى نفس طريق هذه الزبونة التى كدرته و منعته من محبوبته التى
اعتاد ان يقبلها بشفتيه كلما انتهى أخر دخان من عمرها.
نزلت من التاكسى بعد ان حاسبته صعدت
لبيتها مرعوبة لا تعرف كيف تنام و تقضى ليلتها.. خائفة هى أن يراجع البوليس أخر
الأرقام التى اتصل بها فسيكون صوتها أخر من التقى به.
يدق جرس التليفون.. تتردد فى الذهاب
لإيقاف هذا الصوت، إنها خائفة من الرد بعد أن عرفت غرقها فى شبهات نتيجة مكالمتها
الأخيرة معه.
لكنها.. لكنها.. لكنها تجيب على
التليفون و تجد نفس الصوت يحدثها فتطير الكلمات من على لسانها بعد أن يخبرها بذهابه
فى غيبوبة سكر و قد كان يريد استشارتها بحكم كونها ممرضته الخصوصية عن مدى تأثير
علبة المهدىء على علاجه المقرر له.
ما أن ينتهى من حديثه ترتمى سماعتها
فى أحضان الجاذبية و يغمى عليها فى الحال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق