2011/07/26

بالهنا و الشفا

يتذكر محمود أفندى أيام العزوبية فيشعر بلذة تجمع بين السعادة و الألم.

السعادة موجودة فى شعوره بالراحة بعيدا عن زوجته مدام هدى التى لا تكل و لا تمل فى سؤاله دائما عن مكان وجوده و من كان معه؟ و لماذا تأخر؟ و عشرات من الأسئلة التى كانت لا تحتاج منه إلى اختراع جواب و هو يخرج و يأتى كيفما شاء وقت العزوبية.

و اختراع الجواب لا لأنه يكذب دائما و لكن الجواب يجب أن يكون على مزاج الهانم و إلا يا ويله يا سواد ليله فهو وقتها يصبح طالبا خائبا رسب فى الامتحان لأنه لم يأت بإجابة تقنع المدام و ترضيها.

أما الألم فهو استماع محمود دائما لبرنامج (طبيخ و حلويات) و الذى كان يأتى يوميا على الراديو الذى كان يؤنس وحدته.

و كانت الآنسة هدى وقتها هى التى تقدم البرنامج و لأول مرة فى التاريخ يقع الرجل فى غرام إمرأة نتيجة لطبيخها و حلوياتها التى تقدمها فى برنامج و لكنه لم يذق منه قط و هذا لا يعد بأمر غريب أليس هناك من يرى أن اقصر الطرق لقلب الرجل معدته.
فقد كان محمود يكتب الوصفات وراء تعليمات هدى ثم يغامر بالوقوف فى المطبخ و يتم الطبخ على خير و يعجبه الأمر و وقتها يقول فى نفسه.. مؤكد أن الطعام من يدها لا مثيل له .. طالما أنه بهذا الشكل من يدى.

و ظل يحلم بنفسها فى الطعام الذى ستقدمه له عندما تكون على ذمته .. و بالفعل لم يكذب خبرا فقد ذهب لمبنى الإذاعة التليفزيون و انتظر حتى خرجت و كان يعرف شكلها من صورها بالجرائد و راح يقترب منها و نادى عليها فنظرت له و سحرته عيونها.

و على رأى المثل نظرة فابتسامة فكلمة فلقاء و إبداء إعجاب بأكلها و جمالها ثم زواج مبارك و لا بلاش مبارك خليها زواج سعيد.

مرت الأيام و محمود يحلم باليوم الذى تقف فيه هدى داخل المطبخ لتجهز المحمر و المشمر الذى كان ريقه يجرى عليه كلما استمع لما تقدمه فى برنامجها الإذاعى (طبيخ و حلويات).

انتهى شهر العسل و توقفت إمدادات الطعام التى كانت تقدمها حماته مشكورة و لم يحزن محمود .. فالبنت أكيد طالعة لأمها و من هنا و رايح سيأكل كل ما لذ و طاب.

عادت هدى لبرنامجها و محمود ينتظر وقوفها فى المطبخ بعد انتهاء حلقة البرنامج و بدأ العمل المطبخى و ماهى إلا دقائق حتى شم محمود رائحة شياط بل و رأى دخانا خارجا من المطبخ فأسرع نحوه و هناك وجد مدام هدى حرمه فى وجه يشبه الفحم و المطبخ حاله يضرب يقلب.

قالت هدى .. معلش كنت عايزة أعملك صينية البطاطس اللى بتحبها .. و هدأ محمود من روعها.

لكن الحكاية تكررت مرات كثيرة و أدرك أبو حنفى وقتها أن المدام لا تعرف عمل الطبيخ و الحلويات إلا من خلال تقديم الوصفات عبر برنامجها الإذاعى و أن طعامها لا يفرق عن طعامه الذى كان يحضره وقت العزوبية.

ساءت العلاقة و كان محمود يتحسر فى نفسه و يشعر أنه أخذ أكبر مقلبا فى حياته إلى أن قرر ان يأخذ وقفة حازمة و نبه على زوجته بضرورة تحسين ما تطبخه خاصة و أن صديقه سيد و زوجته سيكون معزوما يوم الخميس القادم على العشاء معهما.

و بالفعل تحسن الطعام بفضل أم بهية التى كانت تسكن فى آخر الشارع و كانت تبيع ما تصنع من طبيخ و حلويات (دليفرى) و بذلك توفر أم بهية من وقت المرأة العاملة و تساعد أى واحدة خيبانة مثل هدى.

و فى يوم العزومة المشهودة كانت هدى تؤكد فى الصباح الباكر على أم بهية بشأن الأصناف الموعودة الواجب تجهيزها .. و هناك تعرفت هدى على سميحة و هى مثلها لا تعرف أى شىء عن الطبيخ سوى المكتوب عند أبلة نظيرة.

و ودعت كل منهما الأخرى على أمل اللقاء فى يوم قريب و عادت هدى مسرعة قبل عودة محمود و وضعت الطعام على السفرة و عاد محمود و أنفه يشم الطعام اللذيذ و لم يصدق عيناه و شكر زوجته لأنها ستشرفه أمام سيد و زوجته.

دق جرس الباب و فتح محمود الباب ليجد سيد و زوجته مدام سميحة و لك أن تتخيل ما سوف يحدث عندما تتقابل هدى مع سميحة هانم و يشرفنى أن أعرف تخمينك و بالهنا و الشفا.

ليست هناك تعليقات: