2011/05/28

أفكار ضد الرصاص



يقدم لنا المتمرد لوجه الله محمود عوض - الذى عرف عنه رشاقة قلمه و أفكاره التى تسعى للحرية دائما – كتابا يستحق أن تقرأه الأجيال طالما أصبحنا نعيش فى مجتمع يسقط رموز الاستبداد و الفساد.
إن كتاب أفكار ضد الرصاص يبدأ من المقدمة بالإشارة إلى محكمة قررت إعدام البرىء و ترك جبروت السلطة يحكم وحده المجتمع و يحرم حرية الرأى من النشر.

إن القتيل الذى تعرض للشنق مجرد كتاب يتكون من ورق و حبر و رأى يجرى على السطور.
و بقلم محمود عوض يصيغ لنا قصة هذه الجرائم فيبدأ معنا بكتاب (تحرير المرأة) الذى وضعه قاسم أمين و طالب فيه بحرية المرأة عام 1889 و من السطر الأول للكتاب يؤكد قاسم أمين أن هناك من سيقرأ الكتاب و يرى ما هو مكتوب بأنه بدعة و بالفعل يصدر الكتاب و تظهر اصوات تنادى بقتل قاسم أمين و تخرج عشرات الكتب لتتهمه بالفسق و الكفر و الزندقة.

و لكن السؤال هنا : ما هى جريمة قاسم أمين؟
إن قاسم أمين ينادى فى كتابه بضرورة تعليم المرأة و تحررها من التخلف .. إنه يؤكد على التزامها بالحجاب غير المتشدد..إنه يؤكد على حريتها فى العمل و حرية المرأة فى مواجهة الرجل الذى ينبغى ألا يفرض ديكتاتوريته عليها. المشكلة من وجهة نظرى أن الرجل إذا لم يكن قادرا على الوصول لحريته فى وطنه فإنه يرى حريته فى التحكم بإمرأته و هذا عهد العصور الماضية المستبدة و طالما نعيش فى ثورة مصرية أسقطت نظاما فاسدا فعلينا أن نثور بروح 25 يناير على أوضاعنا و نتغير بأنفسنا و سيكون قاسم أمين فرحا فى قبره لأن العقول بدأت تتغير الآن فى مصر.. إن المرأة هى أم فى المستقبل كلما ارتقى عقلها و حصلت على الحرية كلما نشأ المجتمع على حرية و كرامة.

وينقلنا محمود عوض إلى جريمة ثانية المقتول فيها قلم يحارب سلطة السيف.. إنه عبد الرحمن الكواكبى الذى خرج على مجتمع- تسود فيه أحكام الدولة العثمانية – بكتاب : طبائع الاستبداد.

يتحدث الكواكبى فيه عن الحاكم المستبد و الحكومة الواحدة المطلقة التى تتصرف فى شئون شعبها دون خشية و لا مراعاة لحقوق أبناء الوطن.
إن المستبد كما وصفه الكواكبى هو عدو الحق و عدو الحرية بل و قاتلهما.
و لو كان الكواكبى موجودا الآن بعد دخول مصر عهد ما بعد ثورة 25 يناير لتأكد أن مصر خرجت لتثور على نظام لا يستحق أن يتولى أمرها..لقد انتصرت إرادة المصريين و زالت سحابة الحكم المستبد.

إن كتاب الكواكبى يصلح لأن يكون خير مثال لشعبنا المصرى الذى رفض الاستعباد و النفاق و سيجلس الكواكبى- الذى قتل مسموما بسبب رأيه الحر- فى قبره فرحا بالمصريين الذين هدموا الاستبداد.
و نمر فى الكتاب على جريمة ثالثة ضحيتها كتاب اسمه:الإسلام و أصول الحكم..وهو للشيخ المرحوم على عبد الرازق و وجهة نظر شيخنا تتلخص فى أن الإسلام يرفض استخدام السلطان للدين حتى يحقق أغراضه و مصالحه السياسية و هذه جريمة لا تغتفر.
و كالعادة تخرج كتبا من شيوخ يسعون لنفاق الحاكم الموجود وقتها (الملك فؤاد) و يتم الهجوم على الشيخ عبد الرازق الذى ينادى بالحق و يرفض أن يكون الحكم للملك بالتحايل على الدين و أن يصبح حاكما يمثل ظل الله على الأرض.

و نتفق مع شيخنا فى رؤيته و نزيد عليه قول أبى بكر الصديق : ((أيها الناس لقد وليت عليكم و لست بخيركم فإن أصبت فأعينونى و إن أسأت فقومونى)).

هكذا تحتاج مصر إلى شعب لا يعرف الحاكم المطلق بل يكون الحاكم هو الخادم للشعب و يجب أن تراقب أعمال الحاكم فيلقى القبول إذا أحسن لشعبه و يرفض إذا أساء فى حق شعبه.

و علينا من وجهة نظرى فى ظل نسمات رياح التغيير أن نسعى إلى استقلالية الأزهر الشريف ليظل الأداة الساهرة على حماية حقوق الأفراد حتى لا يخرج شيخ ينافق العبد و لا يقول حق الرب.

تحتاج مصر أيضا إلى عودة المجتمع للثقافة و الأخذ من المعارف و العلوم و الآداب كما كانت فى سابق عهدها تتواجد فيها صالونات للعقاد و كتابات طه حسين.

و هنا نعرف أن الجريمة الرابعة التى سطرها الكتاب هى جريمة فى حق طه حسين صاحب كتاب (فى الشعر الجاهلى).

تعرض عميد الأدب العربى إلى تهم جعلته عدوا للإسلام بسبب كتاب يعتمد على منهج البحث و التفكير فى بقايا تراث العصر الجاهلى من أدب وشعر.
رفض طه حسين أن يقبل القديم كما هو بل استخدم العلم و المنطق و العقل و على رأسهم تمسك بسلامة القرآن الكريم و نبينا محمد عليه الصلاة و السلام.. و مع ذلك يتعرض عميد الأدب العربى للهجوم.

إذن نحن نحتاج مع التغيير أن نسعى لإعمال التفكير و تشجيع البحث العلمى لأننا دخلنا فى عصر العلم..مع العلم بأن الإيمان لا ينفصل عن العلم.
لدينا كبير العلماء العرب الدكتور أحمد زويل و لدينا العالم المصرى الملقب بالملك الدكتور فاروق الباز..نريد مجتمعا يقوم على مثل هؤلاء العلماء حتى نحصد الصدارة بين الأمم عملا لا قولا.

إن المتابع لصفحات كتاب أفكار ضد الرصاص يجد أن مؤلفه المتميز محمود عوض يعرض لآراء تسعى لمجتمع حر يقوم على التفكير و المعرفة و قتل الغش و النفاق لكن السلطة عندما تكون مستبدة .. تمنع أى ثقافة تسعى لنهضة المجتمع..بل تنادى السلطة بمجتمع يقتل الحرية.

إننا بعد ثورتنا المصرية فى حاجة لمجتمع يتمتع بالديمقراطية و الأخلاق التى شهد بها العالم على نجاح ثورتنا و الحرية التى تقابلها المسئولية.
إن أفضل ختام لما قدمنا كلمات كاتبنا الراحل محمود عوض الذى أراه فى السماء على سعادة بقيامة المصريين الذين عرفوا الحقيقة و رفضوا الذل و المهانة.

لقد تحول شعب مصر فى 25 يناير إلى صورة تحتاج آلاف الكتب و المجلدات لوصفها و كان من الممكن أن تكون واحدة من تلك المؤلفات بقلم أستاذنا المبدع محمود عوض الذى ختم مقدمة كتابه أفكار ضد الرصاص و هو ينادى بالحرية قائلا : (إننى أستطيع أن أعطيك قلبى فأصبح عاشقا..أعطيك طعامى فأصبح جائعا..أعطيك ثروتى فأصبح فقيرا..أعطيك عمرى فأصبح ذكرى..و لكننى لا أستطيع أن أعطيك حريتى..إن حريتى هى دمائى.هى عقلى.هى خبز حياتى.إننى لو اعطيتك إياها فإننى أصبح قطيعا.شيئا له ماض و لكن ليس أمامه مستقبل).

انتهت سطور محمود عوض و منها تبدأ إرادة الشعب المصرى الذى أراد الحياة و رفض أن ينكسر.

تحية لكل من طالب بالحرية فنال الشهادة و يواصل رفاقه الكفاح شرفاء أحرار. 

إننا شعب لا يحنى رأسه و إنما نسير على البيت الذى يقول : يا إخوتى الذين يعبرون فى الميدان مطرقين .. معلق أنا على مشانق الصباح .. و جبهتى بالموت محنية .. لأننى لم أحنها حية.

ليست هناك تعليقات: