2011/01/14

أنا فهمتكم


وصلت رسالة المحتجين التونسيين الذين اعترضوا و احتجوا على ضعف الأحوال المعيشية و غلاء الأسعار و زيادة البطالة و المطالبة بإصلاحات تنشر الحرية و الديمقراطية و مع توالى احتجاجاتهم يوما بعد يوم و سقوط عشرات القتلى و الجرحى .. يخرج رئيسهم التونسى زين العابدين بن على.. و يرد عليهم خلال كلمته الأخيرة قائلا: "أنا فهمتكم".

لقد نطق الرئيس التونسى بلسانه "سأعمل على صون دستور البلاد واحترامه، ونحب نكرر هنا، وخلافا لما أدعاه البعض، أني تعهدت يوم السابع من نوفمبر بأن لا رئاسة مدى الحياة، لا رئاسة مدى الحياة، ولذلك فإني أجدد الشكر لكل من ناشدني للترشح لسنة 2014 ، ولكني أرفض المساس بشرط السن للترشح لرئاسة الجمهورية".

أنظر إلى تكرار الجملة "لا رئاسة مدى الحياة"..إنه يؤكدها على الملأ و يعدهم بعدم الترشح هكذا يفهم من الكلام..صحيح أنه ظل مستريحا على كرسى الحكم فوق العشرين عاما لكنه قرر فى النهاية عدم الترشح و لم يعلن أنه سيظل فى سلطته ما دام فى الصدر قلب ينبض و نفس يتردد.. و استطاعت تونس بشعبها أن تطبق أغنية حماده هلال "و الله و علموها الرجالة" فرضخ رئيسهم لمطالبهم.

نفس هذه الاحتجاجات و الأحداث فى تونس خرجت عليها تعليقات مصرية تؤكد أننا الشعب "المسالم بطبعه" كما جاء على لسان الدكتور محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية الذى يحاول أن يدخل الأمان على حكومتنا المباركة و يحاول أن ينفى وجود ما يعكر صفوها مؤكدا بقوله " إن ما يمكن أن يثير القلق هو ما يتردد فى وسائل الإعلام حول عدم وصول ثمار الإصلاحات الاقتصادية فى مصر لجميع المواطنين".

يلخص معالى الوزير القلق المتوقع بشعور الشعب بعدم حصوله على ثمرة من ثمار الإصلاح الاقتصادى .. و أضيف من عندى الشعب المطحون محدود الدخل الذى يتمنى على الله أن يمر عليه يوما و فى بيته كل ثمار الإصلاحات و يعيش و يشوفها بأشكالها و ألوانها و يتعرف عليها و يذوق حلاوة طعمها و يشعر بها عن جد و حقيقة..فلا يجب أن يكون الشعور دائما لدى الحكومة و الحزب بكل ما يحدث..بينما الغلابة لا يشعرون و كأنهم فقدوا حاسة الإحساس..فالإحساس نعمة فما يسمعه الشعب الكادح يختلف عما يراه.

و وفقا للمنشور على موقع اليوم السابع بتاريخ 13 يناير 2011 أجد خبرا يشير إلى أنه "  استبعد د.بطرس بطرس غالى رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان حدوث مظاهرات للعاطلين فى مصر كما حدث مؤخراً فى تونس، مشيراً فى تصريحات له اليوم إلى أن الديمقراطية تختلف من بلد لبلد، والعالم العربى ليس شعباً واحداً وهناك فروق كبيرة بين الدول".
أى أنه بصريح العبارة لن تشاهد مصر حماها الله ما حدث فى تونس.
فلو كنا أمة عربية واحدة تهتم بأمجادها بالفعل و ليس بالشعر و الغناء..نقيم تعاونا فى كافة المجالات و ليس فقط بالدعوة إليه.

وعلى الرغم من أننا يجمعنا لسان عربى مبين مع اختلاف اللهجات إلا أننا نظل بلا اتفاق لا سوق عربية موحدة و لا كلمة واحدة بينما أوربا باختلاف لغات شعوبها تقيم السوق الأوروبية المشتركة تسعى كل منها لنجدة الأخرى فى عز الأزمات الاقتصادية و على رأى أستاذنا محمود عوض رحمه الله "مساء الخير يا أوربا..صباح الخير يا عرب".

و بالتالى طالما أن العرب لا يجتمعون على كلمة واحدة فلا يقلق الحكام العرب لأن ما يحدث فى تونس ليس بالضرورة يحدث لديهم حسب الكوميديا السوداء التى نعيشها..لأننا لو كنا على كلمة واحدة لكان ما حدث فى تونس..حدث فى شقيقاتها من الدول.

لكننى أذكر نفسى بالتاريخ أن ثورة يوليو 1952 نجحت فى التحرر من الاستعمار الانجليزى و أخذت البلاد تسير على نهجها..تونس تتحرر من فرنسا و بالمثل الجزائر..فهل ما حدث فى تونس تسير عليه بقية الدول العربية؟
و ترد جريدة الجمهورية على صدر صفحتها الثالثة يوم 12 يناير 2011 بالعنوان التالى : ( رشيد محمد رشيد لـ الجمهورية:مصر "محصنة" ضد أحداث تونس و الجزائر..).

و هذا العنوان خرج قبل يوم من كلمة الرئيس التونسى التى أعلن فيها ضرورة إجراء الإصلاحات فى البلاد..و ما كان يقصده الوزير رشيد يتعلق بأحداث الاحتجاجات التى اندلعت فى تونس و الجزائر.

لكننى أقف عند كلمة محصنة..و أتساءل هل مصر محصنة و أخذت الحبوب و أمصال اللقاح لمنع أى عدوى من الانتقال إليها؟
و أتذكر يوم إقالة وزير التربية و التعليم الدكتور يسرى الجمل..كانت صورته تظهر و هو يحصل على مصل انفلونزا الخنازير و بعدها خرج من الوزارة..و لا أقصد هنا لا سمح الله أن كلمة محصنة ستكون ذات وجه مشئوم فتظهر و تخفى من يقرب منها.
هل الشعب مسالم بطبعه و لا يسير على مبدأ اتقى شر الحليم إذا غضب؟

هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات لن يعرفها إلا من يسعى دوما نحو الحرية التى تحقق الخير لمجتمعه لا مجرد رفع شعارات و النداء بكلمات حنجورية و اتجاه نحو النفاق بأن الأمر فى غاية التمام..حتى بديهيا على من يرددون ذلك أن يعرفوا مبدأ الكمال لله وحده.

هل ما نسمعه و نراه من ضيق المطحونين فى مصر من الحياة و الغلاء و السعى لحياة أفضل..و كثرة الحديث عن هذه الموضوعات مجرد أمور لم نستطع توصيل شكواها لمن يهمه الأمر فلم يفهم رسالتنا؟ أم وصلت الرسالة فلم تجد اهتماما أم وصلت و جارى الاهتمام؟
إن الرئيس التونسى أعلن أن الحقائق كانت مغيبة عنه فوصلت الأحوال من سىء لأسوأ.
إننى أخشى أن ما نعيش فيه يكون بسبب غياب الحقيقة..فنصبح غير مبصرين لحالنا.
و لك الله يا مصر.



ليست هناك تعليقات: