2010/08/23

العرض انتهى

بصفتي شاهد عيان على أحداث تلك الواقعة أكتب إليكم تقريري راغبا من العدالة أن تأخذ مجراها.

لقد ذهبت قبل أيام من الشهر الكريم إلى أحد المحال الشهيرة أو لنسميه سوبر ماركت لشراء لزوم الياميش و المكسرات أدام الله عليكم الخير و البركات.

و ما أن دخلت كان السوبر ماركت يمتلأ على أخره و طوابير في كل قسم.

نعم طوابير لا تعد و لا تحصى بقسم اللحوم و قسم الدواجن و الطيور و مثلها فى قسم الياميش و مثلها فى قسم الجبن و الألبان و بارك الله فيما رزق.

و حضر فى الطابور الذى وقفت فيه رجلين يبدو أنهما صحبة معا منذ زمن.

فالأول سمين أسمرانى اللون و الثاني صديقه ابيض و بنظارة و نحيل.

المهم أن الاثنين سلما على بعضهما البعض أثناء دخولي من باب السوبر ماركت و بعد السلامات أوشكت الصداقة على الانتهاء.

فالكل راح يجرى للحاق بالطابور قبل أن ينتهى العرض.

ففضلة خيركم كان بالسوبر ماركت عروضا بمناسبة الشهر الكريم لكنها كانت تنتهي فى لمح البصر من كثرة الطلب عليها.

و كلما ذهبت لقسم وجدت الاثنين الصديقين أمامي فى الطابور.
و نسيت أن أذكركم أن النحيل صاحبنا اخبر صديقه السمين أنه سيسبقه لأنه خفيف كالريشة و العملية محتاجة خفة.

لكن يشاء السميع العليم أن أجد فى قسم اللحوم صاحبنا السمين واقفا و من ورائه صاحبنا النحيل ثم أنا ثالثهم و ما أن يصل صديقنا أسمرانى اللون السمين لأول الصف حتى يطلب من الجزار ما يريده من العرض و ما أن يقطع الجزار لحمته و كبدته من خروفنا و عجلنا المصون، حتى يقابل الجزار صديقنا السمين بابتسامة تعلن عن انتهاء العرض.

و يندب النحيل حظه بينما يتفاخر السمين بانتصاره الأول فى قسم اللحوم و لحاقه بالعرض.

-و لو ..ورينى هتعمل ايه فى قسم الطيور.

هكذا قالها صاحبنا النحيل و وجهه فى احمرار و لا لون البطيخة.
و انشغلت عنهما بالذهاب لقسم لعب الأطفال ممنيا نفسى بشراء لعبة لطفلتى فى المستقبل و ما ان أنتهيت من هذا الحلم وجدت قدماى تسير بى إلى قسم الدواجن و الطيور.

و وجدت صاحبنا السمين يسبق النحيل داخل الصف و أنا ثالثهم و استمع للسمين قائلا:سبقتك يا حلو.

و يحمر وجه النحيل و يكاد الغيظ يفتك بعروقه الظاهرة لكنه يبتسم ابتسامة صفراء و يخبره أن الأقسام مازالت موجودة و الجايات أكثر.

و يصل صاحبنا السمين إلى أول الصف واقفا كملك مظفر يطلب طلباته من الديوك و الفراخ و الدبابيس و كله من خيرات الله و مصحوب ببركات العرض الذى تراه حشود الجماهير المصطفة فى الطابور موفرا.

و ما أن يحصل السمين على مراده حتى يبتسم صاحبنا البائع و يعلن فى وجه الجميع دون كلام بأن العرض انتهى معلقا ذلك على لافتة عريضة ولا لافتات حبايبنا فى المجلس.

و احمد الله على أن العرض انتهى هو الأخر فهذا معناه أن جيوبي لا تزال فى دفيء.

و يدفعني الزحام إلى السير بجوارهما مستمعا لحديثهما الذى بدأه صاحبنا أسمرانى اللون السمين قائلا:
-غلبتك يا حلو و مرتين.
*ليه هو احنا بنلعب طاولة ع القهوة؟
-و حياتك أحلى من الطاولة.
*هنيالك يا عم..بس ما تنساش لسه فى أقسام تانية و العملية محتاجة خفة.
-أما نشوف.

و طبعا لا أخفيك سرا أن الحديث تطرق يهما إلى أن النحيل لن يستطيع الشراء إلا وفقا للعرض و مثله السمين لأن ما معهما من نقود لن يكفى أو سيجعلهم طوال الشهر غارقين فى الطعام و جيوبهم صحراء جرداء لا نقود فيها.
فالناس تشترى و تشترى و تشترى من أجل رمضان و كأنها لن تأكل مرة أخرى.

المهم ذهبنا لقسم الياميش و المكسرات و ما أدراك من جوز و لوز و قمر الدين و بندق و فستق و عين جمل و فتح عينك تأكل ملبن.
الزحام يسير بنا بسرعة السلحفاة و وصلنا إلى الطابور المنتظر فهناك عرض لا يقاوم و سعره مهاود جدا و النحيل صاحبنا لم يستطع تخطى الزحام.

بينما السمين استطاع أن يضع هؤلاء على يمينه و الآخرين على يساره و هو يتقدم كفارس مغوار يضع على التروللى فراخه و لحومه و بعد قليل سيشرفهما ما لذ و طاب من المكسرات.

و حدث ما حدث زميلنا فى المقدمة و من بعده النحيل و أنا فى صحبتهما ثالثا.

و يغنى السمين و هو فى الطابور:مرتين و لحقت العرض.
طبعا يغنى السمين و أخينا النحيل يتطلع إليه بغيظ شديد ثم يطلب منه أن يكف عن الغناء.

يستجيب السمين و يتجه للتصفير على لحن أغنيته الجديدة:مرتين و لحقت العرض.

و يصل السمين لأول الطابور يزن ما يشاء من ياميش و مكسرات و زبيب و جوز هند و ما يندرج تحت بند العرض.

و كما حدث فى المرتين السابقتين تظهر لافتة مكتوب عليها:انتهى العرض" و أسفلها يقف البائع بابتسامته و يرد عليه السادة المصفوفون داخل الطابور بكل اللعنات و السباب لأنهم خرجوا من الطابور بلا ورك فرخة أو حتة لحمة أو شوية ياميش.

و مضى النحيل بجواري حزينا لا يعرف ماذا يفعل؟
هل يعود لزوجته هكذا وهى التي طلبت منه يحصل على كل ما جاء بالعرض و لا يترك اى طعام أو شراب إلا و حصل عليه.

شرد صاحبنا النحيل بوجهه النحيف و الحزن يكاد يفتك به فالسمين بوزنه هذا استطاع أن يندس بين صفوف الجماهير و يصل إلى أول الطابور يشترى ما يريد أما النحيل فيخرج من كل طابور بتروللى فارغ.

و انتهى السباق المحموم بانتصار صاحبنا السمين فى كل الأقسام الموجودة بالسوبر ماركت.

حيث نظر السمين لعربته مفتخرا بنفسه كشمشون الجبار الذى استطاع أن يعبر يهد كل الطوابير و يتحدى الزحام ليشترى ما يريد و كله تبع العرض .. كله تبع العرض.

هكذا يغنى و يصفر بينما يشاركه النحيف ابتسامة صفراء تدل على الغضب.

و من فرط فرحة السمين استعان بتليفونه المحمول و طلب رقما.

-ألو.. مصطفى؟ازيك يا درش؟ رمضان كريم عليك.
و بدأ صاحبنا يحكى له ما فعله فى كل قسم و تسابقه مع أخينا النحيل نحيف الوجه الذى فشل فى شراء أى شىء.

ثم أنهى المكالمة و طلب رقما آخر و إذا به يطلب صديقا ثانيا يحكى له ما سماه بالفضيحة العالمية، ثم طلب صديقا ثالثا و رابعا و خامسا و حكى لهم نفس الحكاية و بطولاته فى الوصول لأول صف فى الطابور من أجل اللحوم و الياميش و الطيور.

و يبدو أن هؤلاء الأصدقاء على علاقة مشتركة بالسمين و النحيل معا لأن أخينا السمين عندما كان ينهى المكالمة كان يخبر النحيل بأن الذى كان معه على التليفون يرسل له السلام.

فكان صاحبنا النحيل ينتفخ وجهه بالدماء و يبتسم ابتسامة مرتعشة و طول الوقت يمسح العرق عن وجهه الشاحب شحوب الموت، و يبين له أن غير مكترث بالأمر حيث يصمت ولا يرد عليه.

و طلب السمين رقما آخر و لكن اكتشف أن صاحبه أغلق هاتفه كما تقول الست صاحبة الصوت المسجل.

-يا خسارة كان نفسي ألاقى عبده فاتح تليفونه عشان أقوله.

توقف فجأة السمين عن سيره بعد ان وضع تليفونه فى جيبه ثم قال للرجل النحيف:مراتك موجودة فى البيت؟
-و ده عشان إيه بقى؟
-عشان أكلمها و احكى لها، و ألا اسيبك تروح تطنط زى عفريت العلبة و تقول انك اشتريت كل حاجة من العرض و انا ما عرفتش اعمل حاجة؟
-و مين قالك هعمل كده؟
-أنا عارف انك هترجع تلف على قسم قسم و تشترى غصب عنك و بسعر خارج العرض.


و اخذ صاحبنا السمين يضرب الأرقام على الموبايل و تنحى على جانب بعيد عثر عليه وسط الزحام كى يعرف أن يكم زوجة صاحبنا النحيل لكن القدر لم يمهله.

فقد أخذ الرجل النحيف زجاجة كازوزة من الموضوعة فى الثلاجة داخل السوبر ماركت و ضغط عليها بقوة، لحظة من التردد وإذا به يرفعها و يرسلها كصاروخ نحو الرجل السمين.

كان منظرا بشعا جدا حيث سقط الرجل على الأرض و الدماء تسيل على وجهه،و انفضت جموع الزحام و صريخ من السيدات.

و لعل هذا هو السبب فيما حدث للرجل النحيف الذى رأيته يرتعش و يقع على الأرض باكيا كطفل صغير.

ذلك هو تقريري عن الحادث، أهديه للقضاء العادل لكي يحيط بالظروف الكاملة للحادث، لعله يقتنع بأن الرجل النحيف لم يتعمد قتل الرجل البدين فيطبق عليه ما يسمى بالعقوبة المخففة، أنا شخصيا اعتقد أن الرجل البدين يستحق ما جرى له، فقد استمع لزن زوجته و اشترى لها ما لذ و طاب فى رمضان رغم انه سيأكل مرة واحدة فى اليوم وليس ثلاث مرات كبقية الشهور، و بدلا من أن يشعر بحكمة الصيام و يتعرف على معاناة الفقير و هو بلا طعام راح يتسلى و يسرف كغيره من الواقفين معه داخل هذا السوبر ماركت أو غيره، فما رأيك أنت؟

ليست هناك تعليقات: