أعلنها المفتى في التليفزيون و قالها
بصوته الرخيم "غدا هو أول ايام الشهر الكريم".
و فرح كل الجالسين على القهوة و هنأوا
بعضهم البعض و تلألأ حي الحسين بالأنوار و بدأ الكل يعد عدته لعزومة أول يوم إفطار.
و لأنني على فيض الكريم و أحمد الله
كثيرا على نعمه التي لا تعد و لا تحصى فقد قررت أن أشارك المساكين في طعامهم و
أكون بجوارهم على مائدة الرحمن.
فأنا و الحمد لله من محدودي الدخل كما
تنعتني الحكومة دائما و بالتالي فأنا أولى بالمعروف، فاللحمة و كل ما لذو طاب من
المحمر و المشمر أراه جميعا على شاشة التليفزيون الذى لا يبخل على بشيء من أول
كليبات الهشك بشك إلى مائدة الطعام المحملة بأكل يكفى الجيران و جيران الجيران،
فأصبح التليفزيون كما أراه ملاذا للعازب و الجائع.
المهم تناولت السحورو صليت الفجر و
نزلت إلى عملي بالمدرسة أجلس على (التختة) ثم أعود لبيتي و طبعا لايوجد تلاميذ
لأننا في شهور الإجازة و بحكم القوى نضطر الذهاب للمدرسة حتى تكون مفتوحة للطلاب
لممارسة نشاطهم الرياضي و الثقافي و كأن هؤلاء الطلاب يموتون حبا ولديهم شوقا و
لوعة للمدرسة و لولا الامتحانات و الحضور و الغياب لما عتبوها من أساسه.
المهم مضت ساعات الانتظار داخل
المدرسة سريعا و قررت أن أصلى الظهر و أن ابحث عن موائد الرحمن وبجوار مسجد عتيق
بحي الحسين وجدت المائدة مزدحمة بالأبيض و الأسود و الأحمر والأخضر و كل ما لذ و
طاب من الوان ليست بطعام يا سيدي و لكنها لأناس جلسوا على المائدة من قبل آذان
العصر بجلبابهم و قمصانهم يشمرونها في انتظار المدفع.
و عرفت أنني لن أكون مع هؤلاء الضيوف
لأن الذى سبق سيأكل و يشرب ما يريد، وعنها قررت البحث عن مائدة أخرى و وجدتها فعلا
مصفوفة بالكراسى و الترابيزات مفروشة بأطباق فارغة و يبدو ان الطعام سيشرفها قرب
المغرب.
و يا سعدك يا هناك فلم ألف و أدور
السبع دوخات و وصلت للمائدة سريعا و لكن ما يأتي سريعا يذهب سريعا فالمائدة أتضح
أنها ليست مائدة.
أه و الله هى ليست مائدة و لكنها
مائدة.. يا سيدى صبرك عليا هى ليست مائدة رحمن و لكنها مائدة لمطعم كباب و كفتة.
و حياتك كباب و كفتةو غفلت عيني عن
رؤيته من كثرة الدخان أبو رائحة نفاذة تجعلك تسرح بخيالك الواسع بطبق مليان سلطة
طحينة و بجواره طبق طرشى بلدى و كام رغيف عيش من اللى قلبك يحبهم وصوابع الكفتة و
معاه الكباب على الطرب تفتح شهيتك و لا ملك الغابة.
و صحوت على صوت صبى المحل:يا أستاذ
أتفضل المنيوم.
و بابتسامة بلهاءتشبه ابتسامة
الموناليزا فزعت من نطقه و قوله:المنيوم!!
-أيوه يا أستاذالمنيوم.
كررها لى و أنا ابتسمو أسأله:هى
الموائد بقت بمنيو؟! دى حاجة فل و الله.
-أيوه يا استاذ طول عمرها كده.
و يبدو اننى غبت عن موائد الرحمن منذ
زمن لدرجة اننى فرحت باننى سأكون مثل ملوك العصور الفانية أطلبما أشاء من طعام و
أجد ما لذ و طاب من نساء كأيام العصر العباسى فأجده على الفور فى التو و اللحظة.
و ما أن نظرت للمنيومأقصد المنيو..
اكتشفت اننى أجلس على مائدة محل للكباب و الكفتة و عرفت من الصبى أن الطلبات بفلوس
و مفيش حاجة لله.
فتركت المكان باحثا عن مائدة اخرى و
أخبرت الصبى أننى قرب المغرب ان شاء الله سوف أطل عليه و فى نفسى اقول لما يبقى
معايا نقود (بالهبل).
تعبت قدماى من كثرةاللف فكل الموائد
مزدحمة بالناس و حمدت الله ان الخير كثير و يكفى من الحبايب ملايين.
و حتى المائدة التى كانت مزدحمة قبل
صلاة العصر ظننت انهم سيذهبون إلى الصلاة لكننى فوجئت بانهم صلواجماعة بجوار
المائدة و اصبح الشارع مغلقا كمثل أيام صلاة الجمعة.
و كما اخبرتكم من مائدة لمائدة يا
قلبى لا تحزن الكل موجود مشرف و منور و انا على قدمى من صباحية ربنا نفسى أجد
مائدة واحدة توحد ربنا و الناس لم يجلسوا جميعا على كل كراسيها.
مائدة واحدة بس يبقى لى مكان فيها حتى
و لو اقف على قدمى.
يا فرج الله ياما أنتكريم يا رب..فى
مائدة هناك تبحث عن فرد ليكمل عدد الجالسين و لم اصدق نفسى فقدماىتسير بسرعة و لا
سرعة سيارات سباقات (الفورميلا وان).
و على مهلك يا شوماخرأقصد يا هلال و
جلست شاكرا صاحب المائدة و اقترب موعد الاذان و ضرب المدفع اخيرا وبدا كل يدعو فى
سره عدا الجالس بجوارى الذى اعلنها صراحة قائلا:يا رب الزمالك ياخدالدورى.
عنها و تناول وجهى لكمة قوية ولا لكمة
تايسون فى زمانه و كان مكانها من المفترض وجه أخينا الذى وقف يدعو للزمالك و هو
يدعى وأنا انضرب و انقلبت المائدة على الرجل لأنه جلس وسط مشجعين من الشياطين
الحمر و ساد الهرج و المرج و ضاعت عليا فرصة الفطار و الحمدلله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق