2010/08/22

يا مائدة ما تمت

أعلنها المفتى في التليفزيون و قالها بصوته الرخيم "غدا هو أول ايام الشهر الكريم".

و فرح كل الجالسين على القهوة و هنأوا بعضهم البعض و تلألأ حي الحسين بالأنوار و بدأ الكل يعد عدته لعزومة أول يوم إفطار.

و لأنني على فيض الكريم و أحمد الله كثيرا على نعمه التي لا تعد و لا تحصى فقد قررت أن أشارك المساكين في طعامهم و أكون بجوارهم على مائدة الرحمن.

فأنا و الحمد لله من محدودي الدخل كما تنعتني الحكومة دائما و بالتالي فأنا أولى بالمعروف، فاللحمة و كل ما لذو طاب من المحمر و المشمر أراه جميعا على شاشة التليفزيون الذى لا يبخل على بشيء من أول كليبات الهشك بشك إلى مائدة الطعام المحملة بأكل يكفى الجيران و جيران الجيران، فأصبح التليفزيون كما أراه ملاذا للعازب و الجائع.

المهم تناولت السحورو صليت الفجر و نزلت إلى عملي بالمدرسة أجلس على (التختة) ثم أعود لبيتي و طبعا لايوجد تلاميذ لأننا في شهور الإجازة و بحكم القوى نضطر الذهاب للمدرسة حتى تكون مفتوحة للطلاب لممارسة نشاطهم الرياضي و الثقافي و كأن هؤلاء الطلاب يموتون حبا ولديهم شوقا و لوعة للمدرسة و لولا الامتحانات و الحضور و الغياب لما عتبوها من أساسه.

المهم مضت ساعات الانتظار داخل المدرسة سريعا و قررت أن أصلى الظهر و أن ابحث عن موائد الرحمن وبجوار مسجد عتيق بحي الحسين وجدت المائدة مزدحمة بالأبيض و الأسود و الأحمر والأخضر و كل ما لذ و طاب من الوان ليست بطعام يا سيدي و لكنها لأناس جلسوا على المائدة من قبل آذان العصر بجلبابهم و قمصانهم يشمرونها في انتظار المدفع.

و عرفت أنني لن أكون مع هؤلاء الضيوف لأن الذى سبق سيأكل و يشرب ما يريد، وعنها قررت البحث عن مائدة أخرى و وجدتها فعلا مصفوفة بالكراسى و الترابيزات مفروشة بأطباق فارغة و يبدو ان الطعام سيشرفها قرب المغرب.
و يا سعدك يا هناك فلم ألف و أدور السبع دوخات و وصلت للمائدة سريعا و لكن ما يأتي سريعا يذهب سريعا فالمائدة أتضح أنها ليست مائدة.

أه و الله هى ليست مائدة و لكنها مائدة.. يا سيدى صبرك عليا هى ليست مائدة رحمن و لكنها مائدة لمطعم كباب و كفتة.
و حياتك كباب و كفتةو غفلت عيني عن رؤيته من كثرة الدخان أبو رائحة نفاذة تجعلك تسرح بخيالك الواسع بطبق مليان سلطة طحينة و بجواره طبق طرشى بلدى و كام رغيف عيش من اللى قلبك يحبهم وصوابع الكفتة و معاه الكباب على الطرب تفتح شهيتك و لا ملك الغابة.

و صحوت على صوت صبى المحل:يا أستاذ أتفضل المنيوم.
و بابتسامة بلهاءتشبه ابتسامة الموناليزا فزعت من نطقه و قوله:المنيوم!!
-أيوه يا أستاذالمنيوم.
كررها لى و أنا ابتسمو أسأله:هى الموائد بقت بمنيو؟! دى حاجة فل و الله.
-أيوه يا استاذ طول عمرها كده.

و يبدو اننى غبت عن موائد الرحمن منذ زمن لدرجة اننى فرحت باننى سأكون مثل ملوك العصور الفانية أطلبما أشاء من طعام و أجد ما لذ و طاب من نساء كأيام العصر العباسى فأجده على الفور فى التو و اللحظة.
و ما أن نظرت للمنيومأقصد المنيو.. اكتشفت اننى أجلس على مائدة محل للكباب و الكفتة و عرفت من الصبى أن الطلبات بفلوس و مفيش حاجة لله.

فتركت المكان باحثا عن مائدة اخرى و أخبرت الصبى أننى قرب المغرب ان شاء الله سوف أطل عليه و فى نفسى اقول لما يبقى معايا نقود (بالهبل).

تعبت قدماى من كثرةاللف فكل الموائد مزدحمة بالناس و حمدت الله ان الخير كثير و يكفى من الحبايب ملايين.
و حتى المائدة التى كانت مزدحمة قبل صلاة العصر ظننت انهم سيذهبون إلى الصلاة لكننى فوجئت بانهم صلواجماعة بجوار المائدة و اصبح الشارع مغلقا كمثل أيام صلاة الجمعة.

و كما اخبرتكم من مائدة لمائدة يا قلبى لا تحزن الكل موجود مشرف و منور و انا على قدمى من صباحية ربنا نفسى أجد مائدة واحدة توحد ربنا و الناس لم يجلسوا جميعا على كل كراسيها.

مائدة واحدة بس يبقى لى مكان فيها حتى و لو اقف على قدمى.
يا فرج الله ياما أنتكريم يا رب..فى مائدة هناك تبحث عن فرد ليكمل عدد الجالسين و لم اصدق نفسى فقدماىتسير بسرعة و لا سرعة سيارات سباقات (الفورميلا وان).

و على مهلك يا شوماخرأقصد يا هلال و جلست شاكرا صاحب المائدة و اقترب موعد الاذان و ضرب المدفع اخيرا وبدا كل يدعو فى سره عدا الجالس بجوارى الذى اعلنها صراحة قائلا:يا رب الزمالك ياخدالدورى.

عنها و تناول وجهى لكمة قوية ولا لكمة تايسون فى زمانه و كان مكانها من المفترض وجه أخينا الذى وقف يدعو للزمالك و هو يدعى وأنا انضرب و انقلبت المائدة على الرجل لأنه جلس وسط مشجعين من الشياطين الحمر و ساد الهرج و المرج و ضاعت عليا فرصة الفطار و الحمدلله.


ليست هناك تعليقات: