ربنا يكرمك و يكرمنا و تبقى من أصحاب
المناطق الدافئة التي تعتمد على أرقام خرافية لا يصل إليها سوى عدد محدود من
المصريين.
و مناسبة هذا الكلام أننا فى شهر المسلسلات
أقصد النفحات و قد وصل إجمالي تكلفة إنتاج المسلسلات لعام 2010 بحسب المواقع
الالكترونية و الإخبارية و المنتديات إلى 750 مليون جنيه مصري و اللهم أعلم السنين
الجاية يوصلوا كام.
"اللهم لا حسد"..هذا تعليقى أما
تعليق عديد من الناس فى المواقع الالكترونية على هذا الرقم بأنه كان كافيا لمساعدة
القراء و توفير العديد من فرص العمل و الشقق السكنية و غيرها من أحلام البسطاء.
ما علينا تخيل أننى ذهبت لإجراء الكشف
الطبى على عيوني بعد شهر رمضان و طبعا ستسألنى ما علاقة المسلسلات بعيونك يا أخي..
هو أنت غاوي تتعبنا معاك؟
معلش يا سيدى و لا تزعل.. أصل الحكاية اننى
ارتدى نظارة و أنا فى الثانية من عمرى (أمد الله فيه بالصحة و العافية) يا ريت
تقول أمين.
بالتالي فانا مضطر كل ستة أشهر أن اكشف على
عيوني حتى أغير مقاس عدسات نظارتي شافاك الله و عافاك.
و ذهبت للطبيب و وجدت العيادة مليئة على
الأخر.. شباب و كبار ..نساء و أطفال و على كل شكل و لون لدرجة أن التمرجى المحترم
أخبرني أننى لن أستطيع الكشف إلا بعد شهرين فالحجز كومبليت.
"يا نهار ابيض..شهرين ليه
يعنى؟".
هكذا كانت كلماتى ترد على أخينا التمرجى
فأخبرنى أن الدنيا من كام يوم كانت رمضان و كل سنة و أنت طيب و كلام غريب مالوش
مثيل ما أقدرش أقول حاجة عنه.
و بالفعل اتجهت إلى طبيب آخر طالما الأمل
ضاع فى أن اكشف هذا اليوم او حتى هذا الأسبوع لكن شهرين..كتير و الله.
و ما أن دخلت للعمارة التي تتواجد فيها
عيادة طبيبنا المبجل حتى وجدت زحام من الناس أمام باب الأسانسير ليس للصعود فيه و
لكن للجلوس امامه فى انتظار دورهم فى الكشف.
و لك أن تعرف أن العيادة تقع فى الدور
السادس و من الأول لغاية السادس الناس تقابلك فى كل مكان.
على السلالم جالسون و داخل العيادة مكدسون
و أنا لا أجد لقدمي مكانا أستطيع فيه الوقوف و أن أخذ و أدى فى الكلام مع أخينا
التمرجى الذى صرخ فى الجميع بالهدوء راجيا منهم الانتظار حتى مطلع العيد الكبير و
الحجز عبر التليفون و الكشف بأولوية الحجز.
و طبعا يشكو الناس الذين تواجدوا بالعيادة
بجانبي و استطاعوا أن يعبروا جحافل الناس المرصوصة من الدور الأول حتى السادس إلى
أن وصلنا للعيادة و طبيعة الشكوى أن رقم الدكتور مشغول دائما و طمأنهم الباشتمرجى
بان الدكتور سوف يقدم لهم خطوطا تشبه أرقام الدليفرى فى المطاعم و ستكون جاهزة
خلال أيام.
الحمد لله خرجت من العيادة و ساعتي ليست فى
يدي لكنى تذكرت اننى نسيتها فى بيتنا.
لا أعرف ماذا أفعل؟ هل أذهب لعيادة ثالثة
أم انتظر حتى مطلع العيد الكبير؟
أعود فأذكر نفسي أن الأرقام مشغولة لكن
أطمئن نفسى انه جارى تركيب خطوط من أم خمس أرقام "خلال أيام" و
أنطق حرف الميم كما قاله التمرجى ممممم.. "خلال أيامممم".
هذه الأمر البسيط أدى لحدوث أزمة عويصة
تكلمت عنها الصحف و تناقلتها وكالات الأنباء العالمية و أصبح الأمر ظاهرة خطيرة
تحتاج إلى تدخل كبير.
فأطباء العيون عندهم مرضى اللهم صلى ع
النبى على عددهم زى الرز.
و أول كشف يصيبك فيه الدور بعد أربعة شهور
و لو كنت تعرف الباشتمرجى و أكرمته -(بلاش تقول رشوة حاكم ده اللي سايد و أوعى
تفهمنى صح)- فسيكون دورك بعد ثلاثة أشهر، أينعم خفض لك شهرا لكن احمد ربنا يا أخي
و لا أنت كده مش عاجبك و كده مش عاجبك؟
المهم أن المشكلة تفاقمت و خرجت المظاهرات
فى البلاد تطالب بتوفير عيادات للناس فالعيون تحتاج لمن يطيب خاطرها و ساعتها لو
ما حصلش كما تقول احدى اللافتات:هتتشال العنين من كلام المحبين.
و حاكم إحنا شعب "حبيب" بتشديد
الباء الأولى و تسكين الثانية وقتها سيق حال الشعراء و المغنين و الملحنين و تنقرض
العيون من لغة الأغاني و صعب ساعتها تقول مثل الست:عينى ع العاشقين.
أو كما يقول محبو تمورة:عنيا بتحبك.
باختصار الأزمة كبيرة و مفيش مكان للكشف
على العيون الأمر الذى أدى لخروج مسئول كبير أوى فى التليفزيون ليحدثنا عن هذه
الأزمة.
ابتسم سيادته خلال المؤتمر المذاع مباشرة
على الهواء و ألقى بيانه علينا بعد أن دخل بإطلالة بهية صحبتها نداءات و هتافات
تشكر فى حضرته الذى قال:
"السيدات و السادة، اخوانى و اخواتى
الكرام، كل عام و انتم بخير و كل عام و نحن معا لا يفرق شملنا احد.
لقد اتفقنا دائما أن نعمل سويا فى اليسر و
العسر و لا تقف أمام مسيرتنا أي عقبة إلا و قهرنا هذه الصعاب بروح أكتوبر العظيمة
و سوف نجنى الثمار فرحين بمستقبل باهر مشرق لبناتنا و أبنائنا.
أيها الإخوة و الأخوات لقد ظهرت فى البلاد
أزمة يراها البعض كبيرة بسبب الزحام على عيادات أطباء العيون و أرى أن ....".
يصمت المسئول الكبير ثم يلملم الأوراق التي
يقرأ منها و يعود للميكروفون مرة أخرى قائلا:"إيه رأيكم نتكلم من غير لف و
دوران و بعيد عن الورق؟".
و صفق الحضور بشدة و تجددت الهتافات
المؤيدة لهذا التغيير الكبير فالمسئول يخرج لطمأنتنا و الرد علينا وقت الأزمة و
هذا حدث جلل ناهيك عن أن المؤتمر حضره الكبار و العامة من الناس المتضررين فى
البلد ثم يقرر سيادته الخروج عن المألوف و الحديث بعيدا عن الأوراق يا لها من
مفاجأة عظيمة.
"اخوانى رجاء الهدوء من فضلكم".
يقاطعه أحدهم بالهتاف "عنينا رجعت
لينا بعدا ما ظهرت قدام عنينا".
"يعنى بتشوف و مفيش ازمة" ينطق المسئول بكلماته و القاعة تغرق فى الضحك.
"شوف خفة دمه" تخرج هذه الكلمات وسط دخان كثيف خارج من نغاشيش حنفى المجاور لمقعدى
بالقهوة و الشيشة ترافقه فى فمه.
"شكرا شكرا" و يلوح المسئول بيده للحضور حتى يلتزموا الهدوء (خليها الصمت و انت و
اللى تفهمه) و ساد الهدوء فى القاعة.
"اخوانى ببساطة كده احنا الأيام اللى
فاتت كنا فى شهر كريم عدى علينا هوا ما لحقناش نحس بأيامه و لياليه الحلوة غير كده
كانت دايما فى شكوى منغصة حياتكم انا عارف و هى مشكلة انقطاع التيار الكهربى و
ظهرت تصريحات من المختصين إن دي سياسة تخفيف أحمال و إننا ما نقدرش نبلغ الناس
بمواعيد قطع النور و عارف انكم بتقولوا طيب ازاى و احنا بنوزع كهربا و غاز ع الخلق
الى جنبنا و احنا غرقانين فى الضلمة؟".
يصفق الحضور و تدوى الهتافات شاكرة المسئول
على شعوره بمعانتهم.
يشير إليهم المسئول بالهدوء و ابتسامته لا
تفارقه ثم يكمل حديثه قائلا:"انا عندي ليكم دراسة من جامعة سيدنى
الاسترالية بتقول فيها بالحرف إن بقاء الأطفال لوقت طويل خارج المنزل بالهواء
الطلق يقيهم من الإصابة بقصر و ضعف البصر".
تسود الهمهمات فى القاعة و يتساءل حنفى و
هو جالس بالقهوة "و إحنا مالنا و مال العيال؟"،صحيح اللى
يمشى..... و لا بلاش اقولك اللى قاله حنفى حاكم احنا فى رمضان.
"طبعا انتم مستغربين ليه أنا بتكلم عن
الدراسة..الحكاية و ما فيها إننا لقينا مسلسلات كتير اوى فى رمضان و كنا كل ما
نمشى فى حتة يطلع لنا مسلسل، تفتح الحنفية ما تلاقيش مية بس تلاقى مسلسل و تروح ع
التلاجة تلاقى مسلسل مش كده و لا ايه؟".
و "الله معاك حق" صوت
الهتافات فى القاعة.
"فاحنا قلنا لازم نواجه المشكلة دى مش
عشان خاطر دفع عجلة الانتاج او عبور الأزمة الاقتصادية..لأ لأ..اطمنوا احنا بعدنا
عن منطقة الخطر..احنا اللى خايافين منه ساعتها ان المسلسلات تضيع وقتكم و تفضلوا
قاعدين قصاد التليفزيون و كل واحد كانه مسلسل بإيده بجنزير مربوط فى
التليفزيون".
تصفيق حاد فى القاعة و فحمتين يطلبهم حنفى
فى القهوة لأن سيادته عاجبه.
"هدوء يا جماعة من فضلكم..طبعا عارفين
ان كتر الفرجة تعلم.. زى المثل ما بيقول لكن اللى قال المثل نسى يقولكم ان رمضان
جه فى شهر اجازة و العيال قاعدة و الجو حر و الناس مأنتخة و مريحة و بالتالى
اتفرجوا و ضعف نظرهم و ده سبب الأزمة الموجودة دلوقتى".
صمت فى القاعة و لا تصفيق و لا هتافات.
"عارف انكم هتقولوا يا سلام يعنى
الكام ساعة قصاد التليفزيون هتعمل كده و واحد يقولى انت ضيعت وقتنا و واحد تانى
هيكتب حجة البليد و واحد تالت يرسم و نكتة تطلع و كلام كتير من الشكل ده،لكن احنا
وفقا لسياستنا اللى اتفقنا عليها و هى مصلحتكم عملنا دراسة بقى زى بتوع جامعة
استراليا و الدراسة دى كانت على الناس اللى انقطعت عنهم الكهربا.....(أصوات تتعالى فى القاعة بالإضافة لعلو قرقرة شيشة حنفى)....سكوت
من فضلكم،خلينا اقول لكم ان الناس اللى انقطعت عنهم الكهربا ما طاقوش يقعدوا فى
البيت من الحر و سابوا بيوتهم و بعدوا عن التليفزيون و الحمدلله هما الناس اللى ما
اشتكوش من ازمة ضعف النظر ولا قصر و لا طول و لا حاجة خالص و ده يؤكد كلام دراسة
صحابنا فى استراليا زى ما قلت لكم و بكده يبقى عرفنا الأزمة و سببها و حلها
إيه".
تصفيق فى القاعة مش عارف على إيه كما يقول
حنفى و دخان الشيشة يتطاير من فمه.
"عشان كده قطع الكهربا كان فى مصلحتكم
و فى نفس الوقت ما تشغلوش بالكم الانتخابات بتاعة المجلس الموقر ع الأبواب و طبعا
هيبقى فى ظبط و ربط فى قرارات العلاج و هنعالج الناس بما يرضى الله".
و طبعا لأن حنفى قد عمر طاسته و ذهب فى
دنيا أخرى فقال:"أكيد هما اللى قصدوا يذيعوا المسلسلات عشان زى ما الدراسة
قالت نظر اللى بيتفرج يضعف لأنه قاعد فى بيته و طبعا ساعتها هيروح للدكتور و هيبقى
مشتاق انه يدخل أوضته و يكشف و يشوف الهلالات المرسومة على لوحة الدكتور و طبعا مش
هيلاقى مكان .
فيوم الانتخابات يروح ينتخب مع ان نظره
ضعيف و يومها هيكون مشتاق و قلبه يتمنى اى هلال يشوفوا عشان يثبت لنفسه ان لسه
نظره بخير و ساعتها يروح معلم عليه و يخرج و تبقى خير و بركة للكل".
يسحب حنفى نفسا طويلا بعد هذا الكلام ثم
يتجه لمتابعة المسئول الذى كان فى ختام حديثه"و نتمنى إن ربنا يبعد عنا
الأزمات و كل عام و انتم.......".
لقد انقطعت الكهرباء قبل أن يكمل المسئول
كلمته و لا تنسى أنني قلت لك تخيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق