يجرى شهر رمضان مسرعا ببركاته مطبقا لمبدأ الأيام الحلوة
تنتهي سريعا، و يشتاق إليه الصائم منتظرا تشريفه العام القادم قائلا:اللهم
بلغنا رمضان.
و رغم هذه النفحات الإيمانية التى يتسابق عليها الناس سواء
فى بداية الشهر و الزحام على أخره فى المساجد أو فى وسط الشهر سعيا وراء المغفرة و
ختاما لأيامه العشر الأخيرة رغبة فى العتق من النار و كل يسعى للفوز برضا الله.
و رضا صاحبنا موظف غلبان يسعى أيضا للربح برضا الله و
كغيره أيضا يسعى لإسعاد أولاده و زوجته التى قررت فى هذا اليوم الرمضاني شديد الحرارة
أن تنتهي من طعامها قبل مجيء سى رضا.
و بالطبع تتساءل لماذا تريد أن تفرغ من تجهيز طعامها قبل
حلول رضا؟
بسيطة يا سيدي كل سنة و أنت طيب و السنة الجاية نشوفك فى أحسن
حال و العيد ع الأبواب و طبعا اللمة ما تحلاش فى العيد غير بالكحك و البسكويت.
كانت الكلمات السابقة خارجة من فم صاحبة المعالي مدام رضا
التى استقبلت زوجها بالترحاب ثم رمته بهذه الطلبات المغلفة بالتهاني.
و يبدو أن رضا أصابته حالة الخرس الزوجي، فالرجل قبل الزواج
يتحدث و يتحدث مع محبوبته إلى أن يأتى الزواج فيخرج عن الكلام و يرتدى حلة-( بكسر
الحاء)-بهية من الصمت.
لم يدب اليـأس نفس مدام رضا التي قررت أن تجهز المائدة
السعيدة بكافة الأصناف التى يحبها سى رضا.
و انطلق مدفع الإفطار و جلس الكتاكيت من أبناء رضا و هم
فرحين لا بسبب لمة الفطار و لكن لأن هناك طبقا من اللحم سينزلون عليه عما
قليل.
تناول رضا بعضا من البلح و قرر صلاة المغرب ثم يعود لتناول
فطوره.
-يا ترى قلت إيه فى موضوع الكحك؟
يبلع رضا ما يمضغه من طعام ثم ينظر لزوجته قائلا:عنيا
حاضر.
فرحت الزوجة التى اندهشت أيضا من استجابة الزوج سريعا،الأمر
الذى وفر عليها الدخول فى مفاوضات و مباحثات مباشرة من اجل الموافقة على مطالبها
بشراء الكحك و يبدو كما كانت تمتم مدام رضا فى سرها:أن مزاج رضا رايق و
بالتالى ما المانع فى أن تتضمن طلباتها عباءة و ملابس جديدة للكتاكيت.
و ما أن سمع رضا بهذه الطلبات تعثر الطعام الذى يمضغه داخل
فمه و أحمر وجهه و أنقذه كتكوته الصغير على المائدة بكوب من الماء.
يبدو أن البهجة مكلفة بعض الشيء.
فرضا بجنيهاته القليلة لا يعرف ماذا يفعل؟
يصرف كبقية الناس فى رمضان على وجبة واحدة فى هذا الشهر
الكريم لكنها تكلفه شىء و شويات أضف لهذا بند العزومات و الحلويات هذا على بنود
جديدة عرضتها الزوجة المصون من كحك و ملابس جديدة.
-و يا ترى الكحك عايزاه جاهز و لا هتعمليه بايديكى؟
-طبعا جاهز يا ابو مرزوق-(اسم واحد من الكتاكيت)-هو احنا لسه
هنعمل؟
-طبعا هيتكلف بقى؟
و ترد الزوجة بصوت ناعم مؤكدة أن الكحك سيأخذ مالا كثيرا و
مبررها أن كل شيء أصبح له ثمن و غال و لا يقدر على شرائه سوى أصحاب المال.
-طيب أنا مش من أصحاب الأموال.
يرد رضا و يدب ملعقته على المائدة و يبدو أن رضاه الذى أظهره
فى البداية أصبح كأن لم يكن.
-ليه يا حبيبى ده انت موظف قد الدنيا.
-و انتى عارفة إن مرتبى ع القد و بنقول يا رب سترك و يعدى
الشهر على خير.
تمصمص مدام رضا شفتيها معلنة استيائها من كلامه ثم تستعد
للانتقال من سياسة جر ناعم إلى الخط الحربى.
-ما انت لو تعمل زى صاحبك خميس ما كانش ده حالك.
و لك أن تعرف خميس فهو دفعة رضا فى التعيين إلا انه الآن
يركب سيارة و الحالة مزهزهة معاه و قريبا جدا كما تقول مدام خميس لمدام رضا بإن
المدعو خميس سيشترى أرضا و يبنى علها بيتا.
-بس انتى عارفة انى عمرى ما همشى فى سكة خميس.
-ليه يعنى؟
-عشان حرام.
-حرام ليه؟
-عشان بياخد رشوة.
و هنا صاحت الزوجة و أعلنت استنكارها فخميس لا يأخذ رشوة
إنها ترى أن ما يأخذه مجرد نفحة يستحقها لأنه يسهل إجراءات العمل للمواطنين و
ينقذهم من الطوابير و الروتين المعقد الذى لا ينتهى.
و تضيف مدام رضا المصون لفلسفتها أن الموظف معروف من يومه و
على مر الزمن أنه غلبان و بالتالى تجوز عليه الصدقة و طالما أنه ينهى لكل فرد عمله
و على أسرع إنجاز فهو يستحق المقابل بجانب مرتبه.
و طبعا تتدخل الكتاكيت فى الحديث فنطق المفعوص
"مرزوق" ننوس عين امه قائلا:و الله ماما عندها حق.
وبدأت الأنظار تتجه لهذا البطل الجديد الذى يخطف خشبة
المائدة -أقصد المسرح – بكلامه و يكرر بصوت مسرسع:ماما عندها حق.
و لأن رضا رباهم على الديمقراطية فسأله:ليه.
فجلس المفعوص ساندا رأسه إلى الكرسي و كأنه فى ندوة ثقافية
قائلا:
يا بابا الموضوع بسيط..أنت لو قعدت على مطعم مش هتدى الجرسون
بقشيش؟
فأجاب رضا بالإيجاب ثم أكمل مرزوق قائلا:يبقى خلاص زيك
زيه..أنت بتاخد مرتب و هو كمان و أنت تاخد عمولتك دى زى البقشيش تمام.
هنا طارت الملعقة فى وجه ننوس عين أمه مرزوق لكن اسم النبي
حارسه و صاينه تفاداها و لا بوش و هو يتفادى حذاء الزيدى.
إذا كان هذا هو حالك و تشعر أن المال فى يدك ليس بالكثير
لكنك مضطر بحكم العادة و العرف بشراء الكحك و الملابس و كل ما تعودت عليه و أنا
معك فى ان هذه بهجة لابد منها.
و لن ألومك يا سيدي فمن منا لا يريد ان يدخل البهجة على قلوب
أهل بيته؟
لكن البهجة التي تريد صناعتها لا فائدة منها فذا كانت مدعمة
بنقود جمعية أو اقتراض النقود من أقرب الناس إليك فكما تعرف السلف تلف و الرد
خسارة و إذا رزقك الله من وسع فأفعل ما شئت و اشترى للحبايب ما تريد لكن بعقل و
بروية بعيدة عن السفه.
و يا سلام يا اخى تجد الناس مشمئزة و عليها حزن شديد إذا اتاهم
الأبناء بكحك فى شهادتهم و رغم هذه العدواة مع هذه الدوائر الحمراء إلا أن سحابة
العداوة تنقشع مع كحكة بسكر محشوة بالعجمية اللذيذة.
إذن نحن نتعامل بمبدأ أحبك..أكرهك مع الكحك.
و لك أنت تعرف ان
رضا قرر شراء الكحك حتى تفرح العيال و ينجو من حماته المفترية خاصة و ان العيد
يصادف يوم عيد زواجه ففضل أن يسير على طريق عصفورن بحجر واحد و كل سنة و انت طيب و
لا تنسانى بكحكة.