2012/01/14

لا بكاء على البرادعى




جاء غاندى ذات يوم قائلا :"إذا واجهت شرا فلن أقف مكتوفا أقلب كفا على كف معبرا عن أسف لا أشعر به كى أخلص بذلك نفسى من تأنيب ضميرى بل إنى أعد نفسى مسئولا عما فى العالم من مساوىء إذا أنا لم أحاربها".

الكل يعرف أن غاندى كان يمتاز بسلمية المواجهة مع خصومه دون شعارات ولكن بأفعال تلقى احتراما من الجميع.

وسبب المرور على مقولة غاندى هنا تعود إلى قيام الدكتور محمد البرادعى بإعلانه عن الانسحاب من سباق الحصول على منصب أول رئيس لمصر بعد ثورة الله أعلم إن كانت هى نجحت فى أهدافها أم لا تزال تسعى لتحقيق هذه الأهداف حتى الآن؟

هذا السؤال يجيب عنه كل من يحب البلد بجد دون شعارات حنجورية من التى تلهب حماس السامعين وتنتهى بالتصفيق الحاد بينما الفعل على أرض الشارع يكون غائبا.

نعم قمنا بثورة أطاحت كما يبدو برأس نظام لكن فى حاجة لمزيد من الوقت لتغيير بقايا النظام حتى تأخذ الثورة وقتها ختم النجاح وتقام لها الاحتفاليات والليالى الملاح.

الثورة لا تزال فى الشارع يصنعها الشعب إذا اتحد نجحت وإذا خسرت التعاطف منه فشلت فهى لم تعرف فكرة الزعيم أو القائد الملهم لكنها كانت حصيلة جهود كل من شاركوا فيها بحب وتضحية وسواء كانوا فى ميادين التحرير المصرية أو تعاطفوا معها بالكلمة الطيبة بعكس غيرهم الذين فضلوا الاستبداد والسير بالجمال لخنق حرية المصريين لكن بركة ربنا وشجاعة "المصريين الأصليين" نجحت فى صد ألاعيبهم.

هذه المقدمة الطويلة العريضة أقصد منها أن الثورة إذا أرادت تغيير مصر إلى الأفضل وعلى قلبها دقات تردد: سلمية..سلمية، ساعتها ستنجح دون انتظار لشخص ما حتى ولو كان الدكتور البرادعى.

البرادعي له كل الاحترام فيما قرره وما فعله يحتاج لوقفة مع أنفسنا حتي نستكشف الحقيقة دون سرعة في الحكم ودون بطء في اتخاذ القرار.

البعض يرى البرادعى أنه أشعل شرارة التغيير ضد نظام مبارك بصورة جمعت الملايين على رفض فكرة التوريث واستيقظ المصريون وقتها على فكرة أن الحاكم خادم ونجح الشباب من خلال حملات طرق الأبواب وتعريف الأفراد بأفكار البرادعى وجمع التوقيعات المؤيدة له فى صناعة حالة من الإيمان بحرية مصر وأن الفرحة من أجلها لا تقف على هدف لـ"جدو" يحرزه مع كل تغيير وإنما التغيير يبدأ عندما يشعر المصرى بكرامته داخل وطنه ويكون حاصلا على حقوقه البسيطة من مأكل ومسكن وكساء وفرصة عمل والتى أصبحت جميعها من الأحلام للكثيرين يسعون لها لكن الواقع يصدمهم بصفحة سوداء لكن فكرة الأمل عندما توحد الجميع حولها استطاعت أن تعطى لمصر أجمل صورة خلال الـ18 يوم فى ميدان التحرير.

البرادعى انسحب من انتخابات الرئاسة لأنه يرفض الوضع الراهن وفى نفس الوقت يعلن عن استمراره فى خدمة البلاد وهذه هى القضية "خدمة مصر".

خدمة مصر متروكة للجميع وعلى الكل خدمتها بطريقته حسب المتاح لديه ولا تتوقف الحياة عند شخص له الحق فى تقرير مصيره كما فعل الدكتور البرادعى الذى يرى أن بناء مصر لن يتم عبر المناصب الرسمية بما فيها منصب رئيس الجمهورية.

البرادعى صدمنى بانسحابه من سباق الرئاسة فهو إذا كنا سمعنا عن تنحى عبد الناصر وخروج الشعب لتأييده والهتاف من أجله بعد وكسة 67 فهذا ليس معناه أن يقوم بالانسحاب حتى يرى بعينيه تأييد الناس له وربما لم تأت هذه الفكرة بخاطره وإلا فى هذه الحالة تكون مصر فى نظر البعض صالة قمار يراهن فيها على الورق الكسبان.
لكننى بعد انسحاب البرادعى أتمنى له أن يحارب على طريقة غاندى "السلمية" حتى تتحقق العدالة والكرامة والحرية لمصر وتنتهى المساوىء كلها وهذا لا يعنى أنه وحده هو القادر المقتدر وإنما إذا فعل ذلك ومعه من يؤيده زائد جموع المصريين الذين يخدمون البلد بطريقتهم بالإضافة لوعى الشعب فى اختيار رئيس ثورى ومصلح فى وقت واحد وهذا معناه ألا يكون ملطوطا بعلاقات سابقة مع نظام مبارك المخلوع.

حالة البكاء على البرادعى من البعض الآن لا محل لها من الإعراب فالرجل انسحب بإرادته وكل مصرى له الحق فى الاختيار وخدمة البلاد سواء بالوقوف مع البرادعى على أرض الواقع إذا كان سيغير من سياساته التى ارتمت فى أحضان تغريدات على تويتر ربما جعلت البعض يلومه على ذلك.

أو تكون الخدمة بانتخاب مرشح رئاسى يريد التغيير فعلا ويصلح للبلاد دون تطييب خواطر المصريين بدبلوماسية وبونبونى وكل ذلك مع الوقوف بالمرصاد لأعضاء مجلس الشعب الذين فازوا بأصواتنا فلهم التحية إذا كان الولاء منهم للشعب ولهم الرفض منا إذا كانوا يسعون إلى رضاء عسكر أو رئيس ديكتاتور.

البرادعى لا نريد مزايدة عليه خاصة وأن هناك من يشتمونه عندما كان مرشحا محتملا ويشتمونه بعد أن ترك الساحة لهم وكأنها هواية الشتم وخلاص بسبب ومن غير سبب رغم أن الحكاية كلها تتلخص فى أن مصر لن تقف على شخص والشعب هو الذى يختار وهو الذى يحكم ولن يخدعه أحد وإذا أردنا الثورة فعلينا أن نحرسها بالسلمية ونطبقها على أخلاقنا وأعمالنا وكل حياتنا دون شعارات وإنما بكسب تعاطف جميع البسطاء معها.

ليست هناك تعليقات: