يتذكر محمود أفندى
أيام العزوبية فيشعر بلذة تجمع بين السعادة و الألم.
السعادة موجودة فى
شعوره بالراحة بعيدا عن زوجته مدام هدى التى لا تكل و لا تمل فى سؤاله دائما عن
مكان وجوده و من كان معه؟ و لماذا تأخر؟ و عشرات من الأسئلة التى كانت لا تحتاج
منه إلى اختراع جواب و هو يخرج و يأتى كيفما شاء وقت العزوبية.
و اختراع الجواب لا
لأنه يكذب دائما و لكن الجواب يجب أن يكون على مزاج الهانم و إلا يا ويله يا سواد ليله
فهو وقتها يصبح طالبا خائبا رسب فى الامتحان لأنه لم يأت بإجابة تقنع المدام و
ترضيها.
أما الألم فهو استماع
محمود دائما لبرنامج (طبيخ و حلويات) و الذى كان يأتى يوميا على الراديو الذى كان
يؤنس وحدته.
و كانت الآنسة هدى
وقتها هى التى تقدم البرنامج و لأول مرة فى التاريخ يقع الرجل فى غرام إمرأة نتيجة
لطبيخها و حلوياتها التى تقدمها فى برنامج و لكنه لم يذق منه قط و هذا لا يعد بأمر
غريب أليس هناك من يرى أن اقصر الطرق لقلب الرجل معدته.
فقد كان محمود يكتب
الوصفات وراء تعليمات هدى ثم يغامر بالوقوف فى المطبخ و يتم الطبخ على خير و يعجبه
الأمر و وقتها يقول فى نفسه.. مؤكد أن الطعام من يدها لا مثيل له .. طالما أنه
بهذا الشكل من يدى.
و ظل يحلم بنفسها فى
الطعام الذى ستقدمه له عندما تكون على ذمته .. و بالفعل لم يكذب خبرا فقد ذهب
لمبنى الإذاعة التليفزيون و انتظر حتى خرجت و كان يعرف شكلها من صورها بالجرائد و
راح يقترب منها و نادى عليها فنظرت له و سحرته عيونها.
و على رأى المثل نظرة
فابتسامة فكلمة فلقاء و إبداء إعجاب بأكلها و جمالها ثم زواج مبارك و لا بلاش
مبارك خليها زواج سعيد.
مرت الأيام و محمود
يحلم باليوم الذى تقف فيه هدى داخل المطبخ لتجهز المحمر و المشمر الذى كان ريقه
يجرى عليه كلما استمع لما تقدمه فى برنامجها الإذاعى (طبيخ و حلويات).
انتهى شهر العسل و
توقفت إمدادات الطعام التى كانت تقدمها حماته مشكورة و لم يحزن محمود .. فالبنت
أكيد طالعة لأمها و من هنا و رايح سيأكل كل ما لذ و طاب.
عادت هدى لبرنامجها و
محمود ينتظر وقوفها فى المطبخ بعد انتهاء حلقة البرنامج و بدأ العمل المطبخى و
ماهى إلا دقائق حتى شم محمود رائحة شياط بل و رأى دخانا خارجا من المطبخ فأسرع
نحوه و هناك وجد مدام هدى حرمه فى وجه يشبه الفحم و المطبخ حاله يضرب يقلب.
قالت هدى .. معلش كنت
عايزة أعملك صينية البطاطس اللى بتحبها .. و هدأ محمود من روعها.
لكن الحكاية تكررت
مرات كثيرة و أدرك أبو حنفى وقتها أن المدام لا تعرف عمل الطبيخ و الحلويات إلا من
خلال تقديم الوصفات عبر برنامجها الإذاعى و أن طعامها لا يفرق عن طعامه الذى كان
يحضره وقت العزوبية.
ساءت العلاقة و كان
محمود يتحسر فى نفسه و يشعر أنه أخذ أكبر مقلبا فى حياته إلى أن قرر ان يأخذ وقفة
حازمة و نبه على زوجته بضرورة تحسين ما تطبخه خاصة و أن صديقه سيد و زوجته سيكون
معزوما يوم الخميس القادم على العشاء معهما.
و بالفعل تحسن الطعام
بفضل أم بهية التى كانت تسكن فى آخر الشارع و كانت تبيع ما تصنع من طبيخ و حلويات
(دليفرى) و بذلك توفر أم بهية من وقت المرأة العاملة و تساعد أى واحدة خيبانة مثل
هدى.
و فى يوم العزومة
المشهودة كانت هدى تؤكد فى الصباح الباكر على أم بهية بشأن الأصناف الموعودة
الواجب تجهيزها .. و هناك تعرفت هدى على سميحة و هى مثلها لا تعرف أى شىء عن
الطبيخ سوى المكتوب عند أبلة نظيرة.
و ودعت كل منهما
الأخرى على أمل اللقاء فى يوم قريب و عادت هدى مسرعة قبل عودة محمود و وضعت الطعام
على السفرة و عاد محمود و أنفه يشم الطعام اللذيذ و لم يصدق عيناه و شكر زوجته
لأنها ستشرفه أمام سيد و زوجته.
دق جرس الباب و فتح
محمود الباب ليجد سيد و زوجته مدام سميحة و لك أن تتخيل ما سوف يحدث عندما
تتقابل هدى مع سميحة هانم و يشرفنى أن أعرف تخمينك و بالهنا و الشفا.