2010/09/03

يا بخته


ما أحلى القيام من النوم و تجد من يحبك بجوارك تنظر له فتخطفك ملامحه و تتمنى ألا تغيب لحظة عنه.

لكن الموت هو الحقيقة المحتومة المؤكدة التي تخطف الأب و الأم و الابن و تفرق الحبيب عن حبيبه و ربنا يبعد عنك شر الصويت العالى.

فاستيقظ البيت على رقعة صوت حيانى(لا اعرف لماذا يلصقون الحيانى بكلمة الصوت؟) و هذا الصويت من شقة الدور السابع.

إنه صوت سميحة البنت الرقيقة المهذبة ذات العشرين عاما..هذه البنت التي تحاكى الناس عن يوم خطوبتها فاجأت الناس بصراخ و عويل و بكاء مرير و ظلت تردد:يا حبيبى..هعمل إيه من غيرك؟


و لك ان تتخيل أن الجو صيام و الساعة 10 الصبح و الحر زمهرير (قبل ان تسألنى لا أعرف معنى زمهرير) و طبعا النبي وصى على سابع جار و الستات طلعوا يواسوا سميحة و أمها..و الرجالة فى شغلها.

مسكين..هو كان عنده إيه..و يا ترى هيدفن فين؟..و يا عيني ما لحقتيش تتهنى بشبابك..ربنا يكرمه.

و كلمات الحب و المواساة تهطل من كل جانب و لقد أخذت أم سماح أذن أم عادل لتدردش معها كعادة السيدات فى تجمعات المآتم و الأحزان.

شوفى البنية ما لحقتش تتهنى معاه..شكلهم اتحسدوا يا أختى..الواد كان راجل عليه القيمة و عيلته زى الفل.

أم سميحة تواسى ابنتها التى صرخت و بكت فى حجرتها كما سمعنا صوتها لكن البنت يا حبة عينى لا تنطق..مسكينة أول حبها يا جماعة و خطيبها..يعنى خبطتين فى الراس توجع.

أم سميحة تخدم على الناس و توزع الشاي و القهوة.

فاكرين يا جماعة لما كانت زعلانة منه و جه يصالحها..شوفتوا عمل إيه؟

و لك ان تعرف أن هذا كلام ام سماح التى تعرف القصة و كل الجالسين يعرفونها أيضا لكنها أبت أن تفوت هذه المحزنة إلا بذكر قصة صلح سميحة و النبى حارسه عزت.

و ملخص هذه القصة أن عزت أحضر فرقة تشبه فرقة حسب الله و أحضر لافتات مكتوب عليها:سامحيني يا سميحة..ارجعيلى يا حبى.

و المزيكا شغالة و الناس تهلل و تصفق حتى نال عزت الرضا من سميحة.

و يا ترى الدفنة امتى يا ام سميحة؟

و لكن ام سميحة مسكينة لا يهمها شىء سوى ابنتها التى لا تنطق.
أم سميحة التى لا تملك سوى ابنتها بعد موت زوجها..أصبحت حزينة فالبنت بعد أن نجت من فخ العنوسة بخطوبة أصبح عريس بنتها فى ذمة الله.

و سميحة بين الحين و الآخر تنظر للكمبيوتر الذى بحجرتها و تقول:يا لهوى.

أصيلة يا سميحة..هكذا تراها أم سماح التي تميل على تجمع من النسوة يلتف حولها بالشقة فتخبرهم أن الكمبيوتر من رائحة المرحوم فقد احضره لها هدية فى الفالنتين و كيف أن البنت سميحة تتذكره عند النظر لشاشته.

تمصمص النسوة شفاهها و تقرر واحدة منهن الذهاب فى وصلة صويت مجاملة لهذه الحالة البائسة.

و وسط هذا الصراخ تخرج واحدة قائلة:يا بخته..راح فى أيام مفترجة فى عز رمضان ربنا افتكره.

أه يا كبدى..شوفى البنية يدخل عليها العيد..بدل ما يروحوا يتفسحوا و لا يزورها بطبق كحك تروح هى رايحة له القرافة.

و تفتكرى يعنى يا أم سماح البنت هتفضل ع الحال ده؟دى خطوبة يعنى و بعدين البنت لسه عشرين و بسم الله ما شاء الله زينة بنات الحارة و العرسان هيقفوا على بابها بالطوابير.

و هنا تعارض أم سماح الكلام السابق لأم سعدية و تقولها:اسكتى..سميحة أنا اللي مربياها..الدور و الباقى على بنتك اللى مش راضية تعمر فى جوازة.

تحولت الأنظار يا حلوين إلى المعركة التي ستقوم عما قليل حيث ترد أم سعدية:و الله يا ولية ربنا رحمك منى عشان احنا فى رمضان..لكن ام سماح ترد:هتعملى إيه يا سودة الوش..و انهت أم سماح كلامها قاذفة المدعوة ام سعدية بصينية الشاى.
و صلوا ع النبى يا ست أنت وهى..عيب كده ما يصحش..راعوا الظروف اللى احنا فيها.

و كلمة من الست دى للست دى..حتى تحول الحزن إلى وصلة ردح لم تنته إلا بعودة سميحة للصويت العالى على عريسها المستقبلى الذى توكل على الله.

و صاحب هذا وجود أصوات للعيال فى الشارع تقول:هييه هييه العريس صاحى..العريس صاحى هييه.

شهدت النسوة همهمات و كل واحدة تستغرب و تبرطم بكلمات و اخرى تقول:تلاقى العيال بتلعب.

لكن و أه من لكن العريس بشحمه و لحمه ظهر على الباب لكن وجهه اتخض من اللون الأسود الذى كان فى استقباله على الكنبة و الأنتريه و الطرقة المؤدية لحجرة سميحة.

خير يا جماعة؟

سألهم العريس لكن إجابتهن جاءت فى نفس واحد:أنت مش مت و لا إيه؟

و نفى العريس هذا الكلام الذى يراه فارغا و لا صحة له ثم سألهم عن حماته و خطيبته فنادت واحدة على حماته فأغشى عليها فى الحال بينما أشاحت له سميحة بيدها مسلمة عليه و هى بداخل حجرتها.



شوف البت بتسلم عليها و لا قامت تشوفه..يا عينى الصدمة مش مخلياها مركزة..لأ لأ لأ..تلاقيها بتدلع عشان يروح لها.

هو إيه اللى حصل؟ .. فتقرر أم سماح المسحوبة من لسانها و كأنها شيخة حارة تعرف ما يجرى فتسرع بالإجابة على سؤال العريس و حكت له بداية من صعود النسوة على صوت صريخ سميحة و علمهم بنبأ موته.

يضرب العريس كفا على كف و تتجه الأنظار لطبق الحلويات الذى بيده..يبدو انه كان معزوما اليوم..يا بخته.

و يدخل و النسوة من ورائه إلى حجرة سميحة و يهدىء من روعها و فزعها و يطيب خاطرها بكلمتين حلوين و يسألها عن سبب حزنها و لماذا تبكى و هو يقف أمامها.. و من بلغها هذا الخبر؟
تتوقف دموع سميحة وشحتفتها ثم تخبره أنها لا تبكى عليه أصلا.
يا نهار ابيض..البنت كما تقول النسوة:الصدمة مأثرة عليها لسه.

و تكمل سماح حديثها بأنها فعلا تبكى و لكن على الأكونت بتاعها على الفيس بوك الذى تم إغلاقه.
فيس بوك؟
تصيح النسوة هكذا باستغراب و دهشة غير مصدقين أن البنت العفيفة الشريفة سميحة تعرف واد تانى علي عريسها.

و يا ترى عرفته منين؟و هو إزاى يقبل على نفسه كده..مش قولتلك دى خطوبة يعنى لا جوزاة و لا فاس وقعت فى الراس.

و شوفتى بروده يا أختى..يطبطب عليها رغم الحب اللى ما بينهم باعته عشان اللى اسمه فسبة ده..ألا يطلع مين الفسبة ده..أكيد واد ميكانيكى كسيب و لا إيه يا أم سماح؟

هنا يتوقف كلامهن و يجيبهم العريس لأن أعصابه شاطت من كلام النسوة اللاتي مزقناه إربا إربا لدرجة وصفه بعدم النخوة و حاول إفهامهم لكن سميحة أخبرته لا تحاول فلن يقتنعن.

و خرجت النسوة و هى تلعن جيل العريس و سميحة و ختمتها ام سماح قائلة:ده حتى ماهانش عليه يرمى الدبلة فى وشها..جيل آخر زمن.

ليست هناك تعليقات: