2013/02/18

«الكوسة» لن تنفعك يا مرسي




(1)
إذا كنت ابنًا لرئيس الجمهورية فيحق لك أن تكون عالمًا ببواطن الأمور، وتعرف ما يدور داخل المؤسسات التابعة للدولة حتى وإن لم يكن لك فيها أي صاحب، فقط وظيفة والدك التي هي من المفترض أن تخدم الشعب ولا تمنحك المحاباة على غيرك تكون بوابة العبور كي تحصل على وظيفة من الدولة بغض النظر عن كفائتك أو الزمن الذي تخرجت فيه من كُليتك.. فقط يكون والدك اسمه محمد مرسي، وستنتقل من شخص يجلس على دكة البطالة إلى شخص ينعم بوظيفة حكومية تضمن لك الاستقرار.

عمر محمد مرسي أنهى دراسته الجامعية في التجارة، عام 2012، بتقدير جيد، ومنحه 13 مليون مصري وظيفة في الدولة، حيث انتخبوا والده وائتمنوه على ثورتهم النقية الشابة التي أطاحت بنظام مبارك «الديكتاتوري»، لكن مرسي رد الجميل لمن وقفوا بجانبه ضد مرشح النظام السابق، المرشح الخاسر الفريق أحمد شفيق، عن طريق منح ابنه وظيفة في الدولة، ولا يهم ما وعد به، الأهم هو تمكين أهله وجماعته وعشيرته في مفاصل الدولة، ولا مانع أيضًا من منح نجله «عمر» وظيفة يقول عنها وزير الطيران المدني، المهندس وائل المعداوي، إنه فاز بها عن طريق تقدمه إلى إعلان داخلي يخص الوظيفة و«فوجئت الشركة القابضة للمطارات بتقدم نجل الرئيس للوظيفة منذ شهرين».

(2)
شهران والبلد تشتعل عقب إعلان دستوري جعل الرئيس مرسي فوق كل السلطات ضاربًا عرض الحائط بالقوانين، التي يدعي احترامها لكنه يدهسها بـ«ترزية» من المستشارين يفصلون له ما يشاء من قرارات يتخذها ويتراجع عنها.. شهران والبلد تبحث عن دستور توافقي يلبي مطالب المصريين الذين استقبلوا بصمود بطش نظام مبارك في ميدان التحرير، فكانت الهدية للمصريين دستورًا لا يعبر عنهم، ويسير بمبدأ المغالبة والتأييد لمصالح جماعة «الإخوان» ومناصريها.. شهران والبلد تفقد شهداء ومصابين والرئيس ينعم بلا مبالاة ولا يهتز له جفن ولا تسيل الدموع على خديه.. فقط يبكي حزنًا على أهله وعشيرته وسائقه الذي تلقى طوبة في جسم سيارته الرئاسية المصفحة، لكن الباقي من شعبه مجرد مصريين لا حول ولهم ولا قوة طالموا لم يرتدوا عباءة الإخوان المسلمين.

شهران.. وعمر ابن الرئيس مرسي ينعم في بيته بكل السرور لضمان وظيفة حكومية علم بها عبر إعلان داخلي يفترض أن يلم به وفقط من يعمل داخل الشركة القابضة للمطارات، بينما هناك أمهات تعيش على حلم رؤية أبنائها المختطفين في المظاهرات الرافضة لـ«أخونة مصر»، أو إذا ساءت أحوالها تجلس كل ليل تترحم على من سقط في عهد رئيس يفترض أنه يناصر الثورة لكن سياساته تجعل البلاد «رايحة في ستين داهية».

(3)
«عمر» يعلم بالوظيفة بينما مرسي لا يعلم عن شعبه سوى الذين يهللون له خارج قصره فيخرج ليخاطبهم ويحدثهم عن «أبلج ولجلج»، ولا يتذكر شهداء أو مصابين أو حملة دكتوراة وماجستير مرت عليهم أعوام من كفاح حتى ينالوا أعلى الدرجات العلمية لكن الدولة لا تجد لهم أي وظيفة.

خلاص أنهت الدولة تعيين كل أبنائها ولم يتبق سوى نجل سعادة الرئيس مرسي، الذي يجب أن يحظى بوظيفة حكومية مثله مثل بقية أبناء الشعب.. لكن إذا ذهبنا لزيارة الواقع سنجد أن الرئيس مرسي لم يكلف خاطره لزيارة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة للإطلاع على كيفية تعيين أوائل الخريجين في وظائف الدولة، سيجد طلابًا تم وضعهم في وظائف بعيدة عن تخصصاتهم العلمية، وسيجد أفرادًا لديهم قرارات تعيين لكنهم لم يتسلموا وظائفهم إلا بطلوع الروح، وسيجد أفرادًا كانت لهم وظائف في وزارات مثل البترول والعدل لكن «الواسطة والمحسوبية» لم تشفع لتعيينهم.. ستجد أفراد تخرجوا ودرسوا في كلية الإعلام، جامعة القاهرة، قسم الإذاعة والتليفزيون، ولديهم أعلى التقديرات العلمية ولم يحالفهم الحظ في التعيين داخل مبنى «ماسبيرو».. اللهم إلا إذا كانوا «إخوان» فربما هنا ستشع الكفاءة من عيونهم وستشفع تبعيتهم للمرشد في حصولهم على الوظيفة دون واسطة.

حدث مثلاً مع العبد لله عقب الثورة وبعد تخرجه في كلية الإعلام بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، في تخصص الإذاعة والتليفزيون أن منحته الدولة وظيفة في الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ولم يشفع له تفوقه وزملائه بدفعته في التعيين داخل مبنى «ماسبيرو» لأنهم بلا واسطة، ونفس الحال لدفعات سابقة.. هذا مجرد مثال أخفي الكثير من تفاصيله التي لا أريد التحدث عنها لشخصنة الموضوع لا سمح الله، فهناك الكثير ممن لا يجدون وظيفة بسبب «الكوسة»، وإن وجدوا فيكون ذلك بعيدًا عن مجالهم.

ومثال آخر يتمثل في عمالة مؤقتة تتخطى الآلاف من الإسكندرية إلى أسوان يحلمون بحلم التعيين والتثبيت في وظائف بالدولة، مع حلم يراودهم في التخلص من تقاضي 170 جنيهًا كل شهر حتى يحصلون على مبلغ محترم «يفتح بيت»، بينما «عمر» نجل الرئيس مرسي يضمن وظيفة فور تخرجه، وغيره لم ينعم بالتعيين منذ سنوات تعود إلى أيام غزو الكويت في بداية التسعينيات بالإضافة إلى لآلاف من حملة الماجستير والدكتوراة ينتظرون أن تكرمهم الدولة بوظيفة فتتم مطاردتهم عند بيت رئيس الوزراء، هشام قنديل.

(4)
آلاف يحملون شهادات علمية من ماجستير ودكتوراة وتقديرات تفوق كفاءة نجل مرسي لكنه استطاع أن يحصل على وظيفة، ولا عزاء لعلمهم وخبرتهم، فقط وبتقدير جيد وبكفاءة في الكمبيوتر واللغة الإنجليزية يصبح قاب قوسين أو أدنى ضمن المعينين داخل الشركة القابضة للمطارات.

أصبحت الدولة تعين من كان والده رئيسًا للجمهورية بينما ولاد الناس «الغلابة» الذين لا يحملون كارنيه الأهل والعشيرة، التي يعشقها مرسي لا وجود لهم.. فقط هم في ذمة الله وذاك أفضل من رئيس لا يطبق العدل ولا يبتعد عن الشبهات، ويتقن فن المراوغة ولا يطبق وعوده.. فقط يخدم أهله وعشيرته ويصحبهم بالسلامة إلى طريق دولة «الكوسة»، ويجعل حالك ينطق: «مرسي هو حسني»، و«جمال هو عمر».

وسواء استلم «عمر» الوظيفة أو أوقف أوراق تعيينه أو ربنا كرمه بوظيفة عند أونكل خيرت الشاطر أو عمو حسن مالك، فدولة «الكوسة» لن تنفعك يا مرسي.. دولة «الكوسة» التي تحتضن بها جماعتك وتلفظ بها بقية من حولك من المصريين ستنهي عهدك.. تمكينك لأهلك وجماعتك سينهي حكمك كما أنهى حكم الحزب الوطني الذي حاول السيطرة على مفاصل الدولة، فأسقطه الثوار بلا خوف.


هناك تعليق واحد: